Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/01/2008 G Issue 12883
الرأي
الأحد 28 ذو الحجة 1428   العدد  12883
رحم الله جدك.. لقد كان بعيد النظر!
عبدالكريم بن صالح الطويان

في ليلة خلت من ليالي (آذار) أبرضت فيها الأشجار، وفرَّخت الأطيار، وتعلّل الجار مع الجار! حدثني صديقي المزارع عن معاناة جده مع ناهبي الإبل، فلم تقر له عين، ولم يسلم له حلال! وكيف تحول من الضرع إلى الزرع، فحرث وغرس، وقال لأبنائه، ذات يوم، وهو يشير إلى النخل: هذه المخلوقات عصيِّة على اللصوص!

ومضت عقود السنين يطوي بعضها بعضاً، وواصل صديقي المزارع مفتخراً بمهنة جده، تحت سواقي الماء، وظلال النخيل!

وذات يوم من أيام الله رأيته وقد تغيّر حاله، فسألته: ما الأمر؟ فقال لي: إن لصاً سرق ماشيته. قلت له: وهل سلمت النخلة! قال: نعم! قلت له: رحم الله جدك.

وبعد مدة قابلني، وهو يقول: سرق اللصوص فرسي التي أمارس عليها رياضة الركوب! قلت له: وهل سلمت النخلة؟ قال: نعم، قلت له: رحم الله جدك!

ورأيته أخرى، قال: سرق اللصوص، من منزلي الأجهزة الكهربائية! قلت: وهل سلمت النخلة؟ قال: نعم، قلت: رحم الله جدك!

ورأيته أخرى، قال سرق اللصوص اسطوانات الغاز، وسحبوا معهم كيابل الكهرباء من المزرعة! وقلت له: هل سرقوا النخلة؟ قال: لا! قلت إذن فليرحم الله جدك!

ثم جاءني بعد حين، فقال سرق اللصوص عداد الكهرباء وخلعوا بوابة المزرعة الحديدية! قلت له: هل سرقوا معهم النخلة! قال: لا لم يمسوها بسوء! قلت له: رحم الله جدك، لقد كان بعيد النظر!

وغاب عني المزارع المسكين ردحاً من الزمن ثم جاءني في حال لا تسر عدواً ولا صديقاً! فسألته عن تغيّر الأحوال؟ فقال بأسى: لقد سرقني اللصوص لمدة أربع وعشرين ساعة! وسحبوا مني بطاقة الصرف الآلي، وصرفوا من حسابي وعلى دفعتين عشرة آلاف ريال، ثم أخلوا سبيلي! قلت له: وهل سرقوا معك النخلة! قال: لا..!

قلت: رحم الله جدك، لقد كان بعيد النظر!!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد