Al Jazirah NewsPaper Sunday  13/01/2008 G Issue 12890
مقـالات
الأحد 05 محرم 1429   العدد  12890
شيء من
شعر (القلطة) وبناية المملكة
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

تَلتفتُ يميناً فترى بناية (المملكة) في الرياض تنطلق كالسهم نحو الفضاء لتناطح السحاب. ثم تلتفت شمالاً فتجد (قوماً) التفّوا حول شاعر قبلي يُماحك شاعراً قبلياً آخر، فتسمع هذا (يَتعمّد) أن ينكأ جروح ذاك، ويُعيدُ ما درسَ وعفا ومحي أثره من أمجاد القبيلة وانتصاراتها، ليُحييها، ويفاخر بها في مواجهة الآخر، وكأننا نعيش عصر (داحس والغبراء) لا نهايات العقد الأول من الألفية الثالثة.

هذا التباين بين ثقافة (ناطحة السحاب)، وثقافة (الهجاء والفخر) بين عبس وذبيان التي شاعت وانتشرت في الآونة الأخيرة يُشير إلى إننا على مستوى (التنمية البشرية) ما زلنا متخلفين، نعيش بعقلية (داحس والغبراء) بينما نحن على مستوى الإعمار المادي -الذي يسهل استيراده من الخارج- نبدو في غاية التطور.

والتنمية البشرية تعني ببساطة أن تُنمّي الإنسان، وترفع من درجة وعيه، وإعادة صياغة أولوياته وتوسِعة خياراته الحياتية بالشكل الذي يكون فيه قادراً على التعايش مع متطلبات العصر، لا متطلبات وثقافة عصر قضى وانتهى ولم يعد له وجود.

أصعب ما في معادلة التنمية هو الإنسان ذاته؛ فكل شيء تستطيع أن تستورده، أو (تقاول) آخرين لبنائه وتشييده، وتختصر لبلوغه الزمن، غير أن ذهن الإنسان، وتغيير نمط تفكيره، وتبديل سلوكياته إلى سلوكيات متحضرة، هو الشق الأصعب من معادلة التنمية.

والأمر الذي يجب أن نتنبه إليه في ما يتعلق بالتنمية البشرية في المملكة أن نسب الأمية قبل عقدين أو ثلاثة مضت كانت أعلى، ومخرجات التعليم من حيث الكم -مقارنة بأعداد السكان- كانت متدنية، ورغم ذلك كنا نبدو في وضع أفضل من وضعنا الذي نحن فيه الآن، حيث (العودة) إلى ثقافة ما قبل التنمية تتجلى في أكثر من مشهد. ولعل إحياء القبيلة، والتعصب والتفاخر القبلي، والعودة (المَرَضيّة) إلى شعر الهجاء والفخر والثارات القبلية البغيضة أحد هذه المشاهد التي تجسد بوضوح ما أقول.

وأنا هنا لستُ بصدد التحذير من هذه الممارسات وأثرها السلبي على لُحمة المواطنين، بقدر ما أحاول أن أتلمّس الأسباب التي جعلتنا بهذا القدر من التخلف على مستوى التنمية البشرية رغم الخطط التنموية التي توصف بأنها (طموحة)، ورغم ما يبدو أنه (تنمية) كما يظهر على مستوى السطح.

هنا يبرز الفرق بين (الدولة الريعية) و(الدولة الإنتاجية)؛ فالتنمية هي أولاً وأخيراً اقتصادية بمعناها النهائي الذي تهدف إليه، وعندما يسيطر اقتصاد الريع على اقتصاديات الدول، ترتفع المؤشرات الشكلية للتنمية مثل المباني، السيارات، البذخ بأنواعه، أماكن اللهو، أماكن التسوق... الخ، وتتراجع كماً ونوعاً الآليات المنتجة للمعرفة والخبرة والوعي، والتي من شأنها صناعة الإنسان المتحضر الحقيقي مثل الجامعات، مراكز البحوث، المصانع، مراكز التدريب، المكتبات... الخ، ليصبح هذا المجتمع متطوراً شكلاً، ومتخلفاً على مستوى الإنسان.

لذلك فطالما نحن مجتمع (ريعي)، يعتمد على استخراج النفط ليصرف به على نفسه، لا مجتمعاً (إنتاجياً) يتكئ على قاعدة إنتاجية متنوعة، فإن بناء الإنسان المتحضر البعيد عن ثقافة (داحس والغبراء) ما تزال غاية بعيدة المنال، حتى وإن زرعنا مدننا كلها (ناطحات سحاب)، إلى اللقاء.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد