Al Jazirah NewsPaper Monday  14/01/2008 G Issue 12891
مقـالات
الأثنين 06 محرم 1429   العدد  12891
الرئة الثالثة
ليسَ دفاعاً عن الموظف العام.. ولكن! 1-2
عبد الرحمن بن محمد السدحان

اليوم أعلن العصيان على القول المألوف الذي يدينُ الموظفَ العام كلمّا أصبحَ أو أمسَى، متّهماً إيّاه بالكسَل والصَّلف واللامبَالاة، وغير ذلك من النعُوت التي تستضيفُها الذاكرةُ عَبْر قَنَواتِ الوعي واللاوعي، مقروءةً ومنظورةً ومسموعةً!

***

* اليوم، أسخّرُ الحرفَ المتواضعَ لا دفاعاً عن الموظف العام، رحمةً به أو إشفاقاً عليه، فالرحمةُ والإشفاقُ مؤشِّرا ضعفٍ، واعترافٌ مبطَّنٌ بالتقصير أمامَ الخصُوم، بل دفعاً لاتهامِ مَنْ يحاولُ الهُزْءَ به، وإحباطَ همَّته، وإزهاقَ عَزْمه، وجَعْله هدفاً قريبَ المنالِ من سُخْرية السَّاخِر، وشَماتة الشامتِ، وافْتراءِ المسِيء.

***

* إنّ غَرضي من هذا الحديث ليسَ الاعتذارَ لتقصيرِ مقصِّر، ولا لعبثِ مُسْتَهترٍ، ولا لمفرّطٍ فيما أُؤتمنَ عليه، لكنني أُناجِي نزعةَ العَدلِ فينا جميعاً، ألا يطْغى في نفُوسِنا سوءُ الظنِّ في القِلّةٍ على مظنَّةِ الخير في الكثرة، ألا نَبتليَ المحسنَ بسوءة المسيء، لا لشيء إلا لأنهما يتفيّئان بظلِّ شجرةٍ واحدةٍ: هي الوظيفة العامة!

***

* ألمْ ينهنا ربُّ العالمين عن أنْ نحمّل بريئاً وزرَ آخر؟ وأن نتحرى العدل والصدقَ فيما يُنقلُ لنا من سَوْءَةِ القول، كيلا نُصيبَ قوماً بجهالةٍ، ونصبحَ على ما فعلنا نادمين؟!

***

* نعم، هناك أنماطٌ من الموظفين يُسيِئون أكثر ممَّا يُحسنون، بجهالةٍ حيناً، ولغايةٍ حيناً آخر، وهناك مَنْ يطمعُ أن يوظفَ ظروفَ المنصبِ ليصبحَ له كما عصا موسى: يحصد منه خُبزَه، وله فيه منافعُ أخرى!

لكنِ هذه الأنماطَ قلةٌ والحمد لله، وهي لا تغيبُ عن وعي ولا إرادةِ الإدارة الحكيمةِ، طالَ الأمدُ أم قصُر، وفوق ذلك كله، وأسمى من ذلك كله، هناك عينُ الله التي لا تَنَام، تؤاخذُ المسيءَ بسوْءَته، ولوْ بعدَ حين.

***

* أمَامَ هذه القِلَّة، تقفُ أكثريةٌ صامتةٌ من الموظفين، تَخدمُ في هُدوء، تلتمسُ نصيبَها من الرزق الحلال، مرةً تفوزُ به، وحيناً تتعثَّر خُطاها دونه، لكنَّها تمضي تعمل في صمت، معتمدةً على قناعتها بأن ما قَصَّر به جانبُ الإنسان من متاع الدنيا لا يغيبُ عن رحمة الله ورضَاه، في العاجل والآجل معاً. وهي فوقَ ذلك كله، تشْعر أبداً أنها حُمِّلت أمانةً جَاءتْها اختياراً لا كُرْها، بدليل أنها تملكُ في كل لحظة إرادةَ الخُروج، متى شاءت، وأنَّى شاءت.

***

* الموظف العام، إنسانٌ ككل الناس، يُخطِئُ ويصيبُ كَمخْلوق، ويَسْعدُ ويشْقَى، كَأي مخلوق، لا يميّزهُ عن غيره أنه حَمَل لقَباً، أو تقلَّد منصباً، يعيشُ في بيئة تكيّفُ سلوكه بضوابِطها ونَواهيها، حِسِّيةً ونفسيةً واجتماعيةً، ككُلِّ الناس أيضاً، يعاني الإحباطَ، ويبْتسمُ للنجاح، فيفرحُ لهذا ويقنطُ لذاك، وهو بذلك كله لم ولن يخْرجَ على ناموسِ البَشر عَظُم أم صَغُر! وهو مطالبٌ بأن يكيّفَ سلوكَه بما تمليه عليه حدود بيئةِ العمل من مُسْتَحبّ أو مُسْتَنْكر، إنْ أحسنَ، نالَ جزَاء إحسانِه، وإن أساء، فلهُ من إساءته نصيب!

وللحديث خاتمة



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5141 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد