Al Jazirah NewsPaper Monday  14/01/2008 G Issue 12891
مقـالات
الأثنين 06 محرم 1429   العدد  12891
أيام الإرهاب في السعودية
د. عبد الرحمن الحبيب

اخرجوا (الوطن) من جزيرة العرب.. هذه العبارة المجازية هي العنوان الفرعي الذي يتصدر غلاف الكتاب المعنون ب(أيام الإرهاب في السعودية)، الصادر مؤخراً للكاتب يحي الأمير. والكتاب يمتد في مائتين وثلاثة عشر صفحة، هي عبارة عن أفكار وأوراق عمل وأبحاث ومقالات تجمعها خلفية الأحداث

الإرهابية التي مرّت بالرياض وبأخواتها من مدن المملكة.

على غير العادية المنهجية، تدخل المقدمة دفعة واحدة في حالة مدينة الرياض كمدخل بلاغي للكتاب. وفيها يذكر الكاتب أن الرياض الأنيقة شكلاً المتعبة مضموناً.. المتقدمة في العمران والأكثر محافظة في العالم.. مدينة تنام على المنع والرفض والقضايا التي لم يعد لها مكان في العالم.. عاصمة الظاهر المريح والمخفي المتمرد.. والأنماط المتنافرة والمجتمعة في آن.. لأن الحياة بها تدار اجتماعياً وقيمياً برأي واحد لا يرى فيما يحرص على إظهاره وضعاً مناسباً لما يبطنه.وتستمر المقدمة في الوصف البلاغي، حيث الحالة متناقضة بين ما هو في الأذهان وما هو قائم في الحياة للعاصمة الرياض، فالذين قاموا بعمليات إرهابية في الرياض لا ينطلقون غالباً من مآخذ على الحياة الداخلية للمدينة، بل مآخذهم قادمة من عامل خارجي، هو علاقة هذه العاصمة بالعالم. ويرى الكاتب أن كل الأنماط المحافظة للرياض لم تسعفها لكي تظل محل رضى قوى التطرف والسلفية العمياء.. ويتساءل ما معنى أن تقوم عملية إرهابية في الرياض يعتبرها أصحابها (جهاداً)، رغم التزامها العام والقسري؟ ويوضح أن الحديث الشريف: (اخرجوا المشركين من جزيرة العرب) بات شكلاً واضحاً للتدليل على بدائية القراءات القائمة للدليل الديني، حتى بات يقرأ: (اخرجوا (الرياض) من جزيرة العرب) في جنوح إلى استنتاجات بدائية لشخصية النص وظرفيته.

بعد المقدمة يبدأ الكتاب في مبحثه الأول بموضوع القيمة في ثقافة الجهاد والمقاومة الشرعية وتحولها إلى فكرة غير منضبطة متهورة وانتحارية منذ تاريخ الجاهلية، عبر مفاهيم الشجاعة والفداء والعزة والثأر.. وارتحال هذه المفاهيم بحالتها المجازفة في التاريخ العربي في كثير من مراحله وصولاً للمرحلة الراهنة، رغم أن الإسلام رشدها وضبطها وأخرجها من أفقها الهلاكي إلى أفق المصلحة والتمييز بين النافع والضار. ويميز الكاتب بين عمليات الإرهاب والإجرام والانتحار وبين الجهاد والشهادة والمقاومة الشرعية الطبيعية. كما يشرح تداخلات الجهاد العقلاني مع المقاومة المتهورة، وجناية العنف من فلسطين إلى العراق، موضحاً سبل المقاومة الواعية باتجاه الحياة وليس المجازفة والبحث عن الموت.

ينتقل الكتاب في المبحث الثاني إلى مسألة الهوية، واضعاً عنوانه في شكل استفهامين: السعودية.. كيان وطني أم كيان عَقدي؟ السعوديون هل هم مواطنون أم مؤمنون؟ ويوضح أن ذلك ليس تخييراً، فلا يعني أن تكون على إحدى هاتين الحالتين أنك تعيش جفاء مع الأخرى، فلكل منهما فضاؤها الدلالي والعملي الخاص بها، فالأداء العقدي أداء قيمي ومعنوي أكثر من كونه أداء مادياً أو إنتاجياً.ويحلل الكاتب النمطية الأحادية والموقف من الآخر التي تبرز في التفسير الأحادي المتشدد لقضايا كالولاء والبراء وبلاد الإسلام وبلاد الكفر، موضحاً أن حدة التشدد تزداد مع الأزمات عند غياب الاستراتيجيات العقلية والوعي التاريخي، مما يؤدي غالباً إلى بروز فكرة العودة (الهروب) للماضي لأنه يملك جميع الحلول. ثم يطرح الكاتب قضية المقابلة التعسفية بين الديني والوطني.. ويتناول مسألة الوطن كشكل حديث من أشكال السيادة، مما يمثل مشكلة تنطوي على مبرر اصطدام أولي بما هو ثابت في تعاملات الديني مع البدعة المستحدثة (الوطن).

وينتقل الكاتب إلى عرض الأحداث تاريخياً، ويقوم بتحليلها ظرفياً متناولاً السياسي والثقافي والاجتماعي، حيث استعرض في المبحث الثالث حركات الإرهاب منذ تأسيس المملكة والإشكالية الأولى (الإخوان) التي واجهها الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة الحديثة، وما ينطوي عليه هذا التحديث من تحديات.

ويكمل في المبحث الرابع الدورة الثانية للتطرف (اقتحام الحرم المكي)، وكيف تمت مواجهته. وفي المبحث الخامس تعرض الكاتب لما أسماه مسلسل الأخطاء الضرورية لما بعد جهيمان، مرتكزاً على فكرة الأمير خالد الفيصل في مقابلة له بقوله: (لقد قضينا على الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجريمة، ولكنا تغاضينا عن الفكر الذي كان وراء تلك الحادثة وتركناه ينتشر في هذه البلاد).

ويمضي الكتاب في مباحثه محللاً قصة الإرهاب، وقد تكون الفكرة رئيسية توضح منطلقات عمليات الإرهاب ومقدماته، كما في المبحث السادس المعنون بهكذا غابت الوطنية فظهرت خطابات التطرف؛ وكما في المبحث الثامن الذي حلل خطاب التطرف والجبهات المفتعلة، وكما في المبحث 11 الذي تناول طريقة معالجة الحادث. وقد تكون عن ظاهرة جانبية نتجت من عمليات الإرهاب مثل تأثير نشر القوائم المطلوبة والتواصل المباشر بين الحكومة والناس ليكونوا شركاء في المواجهة، كما في المبحث السابع.. والقراءة السعودية بين الشعبي والرسمي لحادث 11 سبتمبر وما نتج بعده كما في المبحث التاسع، وأبناؤنا في الفلوجة في المبحث العاشر.. وحادثة الخُبر كما في المبحث 12. ويختم الكتاب بالمبحث السابع عشر عن مستقبل الإرهاب والتطرف في السعودية، جامعاً بشكل ما خلاصة الأفكار التي عُرضت في الكتاب.

يمكن تصنيف المؤلَّف بأنه كتاب في الاجتماع السياسي، اعتمد التحليل الفكري الموضوعي لظاهرة الإرهاب عبر تناوله للخطاب الديني والثقافي والاجتماعي الموروث والحالي، وتناوله لطرق المعالجة وتطور الأحداث والحركات الدينية السياسية في التاريخ السعودي المعاصر. وكان الانتقال بين مباحث الكتاب منطقياً في أغلب الحالات، وكذلك كان الانتقال بين المواضيع داخل كل مبحث سلساً منطقياً.

إلا أن الكتاب لم يكن من النوع المنهجي المتبع في الأبحاث العلمية، حيث خلت مقدمته من توضيح لطبيعة الكتاب ومبرراته وأهدافه وطريقة عرضه عدا عن فقرة صغيرة، كذلك خلا الكتاب من الفصول المرتبة منهجياً ضمن إطار واحد يربط الأفكار الرئيسية المطروحة في وحدة متماسكة، والتي يوحّد تداعي التحليلات والاستنتاجات في سياق تراكمي واحد يخدم الفكرة الأساسية عبر نقاط واضحة محددة.وهذه الملاحظة المنهجية لا تعيب الكتاب طالما أن الكاتب لم يتبن هذه الطريقة أو تلك.. إضافة إلى أنه ليس شرطاً أن يلتزم الكتاب ما يلتزم به البحث العلمي. إنما ذكرت هذه الملاحظة بسبب زيادة نسبة ما نجد في المكتبة العربية من الكتب المفتقدة للدراسة المنهجية، ورغم أنها قد تكون ثرية ومميزة فكرياً، مقارنة بندرة الكتب المنهجية المؤطرة التي تعطي القارئ فرضية أو نظرية مقترحة ومؤسسة على بناء متماسك، يخرج منها القارئ برؤية واضحة ومحددة لمجموع الأفكار المتناثرة.

عموماً، الكتاب مميز واءم بين إضاءات فكرية تحليلية مفيدة توضح جوانب مهمة للموضوع وبين المنهجية المخففة والمستترة التي تربط هذه الإضاءات ربطاً ذهنياً وليس ربطاً بنائياً.. كما أن الكتاب في عمله الفكري يخلص إلى استنتاجات ورؤى عميقة لمواجهة الإرهاب، ومن ثم فهو كتاب جدير بالقراءة.



alhebib@yahoo.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6848 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد