Al Jazirah NewsPaper Monday  14/01/2008 G Issue 12891
مقـالات
الأثنين 06 محرم 1429   العدد  12891
رسالة إلى الرئيس جورج بوش
عبدالله بن محمد السعوي

سيادة الرئيس: بدون مقدمات تشييدية، وبعيداً عن الديباجات اللفظية، أرحب بكم ضيفاً كريماً في بلادنا المترامية الشاسعة الأرجاء، وأتمنى لكم طيب الإقامة على أرض وطننا العربي، الذي يتطلع دائماً إلى السلام والاستقرار والتعايش الأخوي؛ الترحيب بالضيف قيمة أساسية تمثل جزءاً من شخصية العربي، الذي يعلق آمالاً كبيرة، على زيارتكم، ويتطلع إلى أن تحقق نتائج فعالة على فضاء الواقع، ولهذا قد يحلو له

أحياناً، أن ينعت هذه الزيارة بالتاريخية.سيادة الرئيس، أقول لكم بعد التحية: إن من الخطوات الإيجابية، التي تحسب لكم، وتسجل في تاريخكم على المستوى الشخصي، أنكم أول رئيس أمريكي، يعلن وبدون مواربة، تأييده لقيام دولة فلسطينية، إلى جانب إسرائيل، تحيا معها جنباً إلى جنب، ولكن يا سيادة الرئيس، ألا تؤثرون أن يدون لكم التاريخ، أنكم أول رئيس أمريكي يباشر تجسيد رؤيته للدولة الفلسطينية، كواقع متشكل له امتداداته على المحيط الجغرافي.

سيادة الرئيس: ثمة مئات من الفلسطينيين الذين يقيمون بالعراء، ويفترشون الغبراء، ويتوسدون الحجر!، وكم كنت أتمنى سيادة الرئيس لو تجردت من صفتك الرسمية، ومقتضيات المنصب، وعشت يوماً واحداً مع الآلاف من المواطنين الفلسطينيين لتعيش - لا لتعرف فأنت أعرف بذلك من غيرك - حجم المعاناة، وعمق المضايقات، والواقع النائي عن الإنسانية، هذا الواقع الذي يعيشه الفلسطيني لحظة بلحظة، حتى يقضي سحابة يومه، الذي ما إن تبدأ شمس غروبه تلملم أشعتها الذهبية، مؤذنة بالرحيل، حتى تبدأ فصول المعاناة مع يوم آخر وليد، وهكذا تجري تفاصيل حياته على هذا النحو من المعاناة!

سيادة الرئيس: تدركون أن ثمة أسرى فلسطينيين، فيهم مرضى، وفيهم أسيرات، ومن بينهم أطفال، هؤلاء الأسرى يعانون وعلى نحو دائم من سياسة الإهمال الطبي، والمماطلة في تقديم العلاج، وإجراء العمليات الجراحية، والحرمان من زيارة ذويهم لهم، ولا يخفى عليكم أن ثمة من يموت منهم تحت ظروف غامضة، ألا ترون سيادة الرئيس، أن الضرورة تحتم وضعهم تحت الحماية الدولية، على اعتبار أنهم أسرى مدنيون؟

سيادة الرئيس: هكذا يعيش الفلسطيني مستباحة موارده، مغتصبة أرضه، مدمرة مصانعه، وليس له جيش حقيقي بل هو شعب أعزل، لا يملك الطائرات، ولا الدبابات، ولا المدافع، بينما الإسرائيلي يمتلك ترسانة عسكرية هائلة، وسلاحاً نووياً فتاكاً، بالإضافة إلى امتلاكه لواحد من أضخم الجيوش على مستوى العالم.

سيادة الرئيس: أدرك أنكم لستم أول من زار الأرض المقدسة، بل ثمة من سبقكم لذلك، كالرئيس كارتر، والرئيس نيكسون وكذلك الرئيس كلينتون في 1998ولكن زيارتكم لها طابع خاص، لأنها تجري وسط ظروف وملابسات مختلفة تماماً عن السابق.

سيادة الرئيس: هذه الزيارة، جاءت متأخرة كثيراً، فهي في الوقت الضائع، وفي نهاية توليكم لسدة الرئاسة، التي تنتهي في كانون الثاني العام القادم، ولكن مع ذلك، فوجود الزيارة أفضل من عدم الزيارة، وكذلك بالطبع هي أفضل من الانتظار لزيارة رئيس آخر وفي الوقت الضائع من رئاسته، ولكن تأخر الزيارة بالإمكان تعويضه، ودفع ثمنه، المتمثل في ضرورة أن تتجاوز الزيارة، القالب البروتوكولي، وألا تُنفق في المراسم الشكلية، وألا تتمحور غاياتها حول تحريك المفاوضات فحسب، بل يجب أن تتجاوز ذلك إلى مواقف جدية علنية جلية يجري عبرها إيقاف السياسة الاستيطانية، واتخاذ قرارات صارمة تضع حداً للاجتياحات الإسرائيلية، وتزيل الحصار عن الشعب الفلسطيني الأعزل، وتطبق القرارات الدولية، رقم 242، و181، و339، و194وصولاً إلى الحل النهائي، وإقامة الدولة الفلسطينية، كحقيقة جغرافية، تأخذ حيزها في تفاصيل الواقع.

سيادة الرئيس: لقد أكدتم كثيراً قبل مؤتمر أنابوليس وأثناءه وبعده، على خارطة الطريق، التي تنص صراحة على إيقاف كامل للنشاط الاستيطاني، وأكدتم على أن الاستيطان يشكل عقبة أمام المفاوضات، هذه الإستراتيجية التي تلحون عليها، استحالت إلى زبد يذهب هباء أمام السلوك الإسرائيلي، الذي لا يكترث بالكلام، بقدر ما يحفل كثيراً بتجسيد ما يراه، على نحو فعلي على أرض الواقع، وتعلمون سيادة الرئيس أنه تزامن مع وصولكم إلى الأرض المقدسة، اتخاذ أكثر من قرار استيطاني، بدأ بالإعلان عن بناء ثلاثمائة وسبع وحدات سكنية في مستوطنة تقيمها على جبل أبوغنيم المقدسي، ثم جرى الإعلان عن خطة للعام الجديد لتوسيع الاستيطان بدعوى التفاعل مع الزيادة الطبيعية، ثم جرى الإفصاح أيضاً عن التوجه المتمثل في بناء ستين وحدة سكنية في منطقة رأس العامود في القدس، بل في عشية زيارتكم الاستهتار الصهيوني بلغ أقصى مداه، عندما حلَّقت الطائرات الإسرائيلية قاصفة مجموعة في بيت لاهيا، ومسقطة سلسلة طويلة من الشهداء والجرحى. إن إسرائيل يبدو أنها ترمي عبر تصعيد عدوانها العنفي، إلى إقامة احتفالية، ذات معالم دموية، من المفترض ألا تتلاءم ومقام الضيف الزائر.

سيادة الرئيس: بحسبكم رئيس أكبر دولة في العالم نحترم شعبها الكريم، وتربطنا به علاقة الأخوة الإنسانية، وبحسبكم قد قمتم بتقديم مساعدات إنسانية لا تنكر، وباعتباركم تتفانون في السعي إلى نشر مبادئ العدل والحرية والاستقرار، فإننا نتطلع إلى تجسيد ذلك في فلسطين الذي حان لشعبها أن ينضم إلى ركب الشعوب الحرة، والمالكة لإرادتها.

سيادة الرئيس: نحن نعي طبيعة البعد العلائقي الذي يربطكم بإسرائيل، ونعي جيداً أنكم تعاينون مكتسباتكم الجوهرية، في هذا المكان من العالم من زاوية مباينة للزاوية التي نتوسلها في رؤيتنا، ولكن، الشعب الفلسطيني يبحث كغيره عما يؤمّن له السلام والاستقرار، لكن حيل بينه وبين تحقيق أمنيته، فالحصار ضيق عليه الخناق، الحواجز التي وضعتها إسرائيل بتت أوصاله، وأحالته إلى قطع ممزقة، واغتصبت أرضه، ومن ثم صورته بأنه شعب إرهابي، عاشق للدماء!، صورته على نحو لا يعكس واقعه وتوجهاته.

سيادة الرئيس: أنتم تتفانون في محاربة الإرهاب، وتسعون إلى تجفيف منابعه، ولكنكم من خلال آليتكم المتبعة في مناهضته، تضاعفون من أواره، وتغذون بواعثه، وتعملون على توسيع دائرة العداء لشعبكم، من خلال تبني مواقف إسرائيل ودعمها. إن محاربة الإرهاب، ومحاصرة روافده، ليست بالراجمات والصواريخ، وتمظهرات القوة، وتجييش الجيوش فحسب، وإنما هو بتحقيق السلام، والعدل والرفاه الاقتصادي، واحترام إرادات الشعوب.

سيادة الرئيس: ليست هذه هي زيارتكم الأولى بل سبق أن قمتم بزيارة عندما كنتم تحكمون ولاية تكساس، لكنها بعكس زيارتكم الحالية حيث لم تكونوا يومها تتوافرون على ذات الصلاحيات، والنفوذ، والتأثير الدولي.

سيادة الرئيس: كثيراً ما تتحدث في بياناتك، وتصريحاتك السياسية، عن السلام والحرية والمستقبل المزدهر، والدولة الفلسطينية، ونحو ذلك ولكن اسمح لي سيادة الرئيس أن أكون شفافاً في حديثي معك، فمقتضيات الصراحة تحتم علي ذلك، وفي صدركم الرحب، وأفقكم الواسع ما يحدوني إلى البوح عما يختلج في ضميري بكل جلاء ووضوح، فأقول لك: إن الشعوب لا تتعاطى مع حديثكم بحسبه على درجة عالية من الجدية، وهذا عائد في نظري إلى عدم وجود امتداد عملي، لتصريحكم القولي، ولذا فهم يتعاطون معه بحسبه أماني تحول إسرائيل دون تحقيقها.

سيادة الرئيس: إن كنت جاداً في مساعيك، ولا أخالك إلا ذلك، فإن نجاح زيارتكم، مرهون بتوظيفها على نحو صحيح، عبر التزام موقف جاد، ومن خلال اعتماد القرارات الدولية كمرجعية للتحرك. ولنجاح هذه الزيارة، لا بد من إدانة العدوان الإسرائيلي، ولا بد من إفشال المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى مصادرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ونسف عملية السلام.



Abdalla_2015@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد