Al Jazirah NewsPaper Monday  14/01/2008 G Issue 12891
مقـالات
الأثنين 06 محرم 1429   العدد  12891
تجارة غير رابحة
د. عبدالرحمن سليمان الدايل

هل سيعود التعليم سيرته الأولى التي انطلق منها قبل أن تعرف البشرية المدرسة وتبتكر مكاناً أو مؤسسة مجتمعية تعلم وتربي فيها أبناءها؟

قد يبدو هذا التساؤل غريباً إلى حد كبير في ظل آلاف

المدارس التي تنتشر في طول البلاد وعرضها وفي ظل آلاف الملايين التي تنفقها الدولة أعزها الله - بسخاء من أجل التعليم إيمانا منها بأنه هو أساس البناء ووسيلة النهضة والتقدم لأي شعب من الشعوب.

وقد يبدو السؤال غريباً أيضاً ونحن نشاهد آلاف الأبناء من البنين والبنات يتجهون كل يوم إلى مدارسهم ويتزايد عددهم عاماً بعد عام، كما يبدو أشد غرابة ذلك السؤال حين نشاهد الآباء وهم يزدادون حرصاً على توصيل أبنائهم وفلذات أكبادهم إلى مدارسهم، ويزداد حرصهم على ذلك حين تراهم ينتقون لهم أحدث السيارات ومن يحسبونهم أمهر السائقين من العمالة الوافدة.

كل ذلك وغيره أمر مبشر يجعلنا نستغرب بداية ما أثرناه من تساؤل، ولكن بنظرة متأنية لواقع ما آل إليه حال التعليم في ظل ظاهرة الدروس الخصوصية يجعل ذلك التساؤل في حاجة إلى إجابة أو على أقل تقدير في حاجة إلى تفحص وإعادة نظر.

ولقد رغبت في طرح ذلك السؤال حينما خلصت من قراءة خبر جاء مقترناً بتصريح لمسؤوله في إدارة التربية والتعليم بمنطقة الرياض مفاده أن مقيمات يمتهن التدريس الخصوصي بمكاسب تصل إلى مائتين وخمسين ألفاً من الريالات وإن كانت دلالة هذا الرقم مخيفة، أو تلك الفترة التي أشار إليها الخبر لجمع هذا الرقم مبالغ فيها فهي لا تتعدى الأسبوعين، فإن أشد ما نخافه من هذا الخبر هو السكوت عنه أو المرور عليه مر الكرام. إن السكوت عن أمور تتعلق بالتعليم هو إهمال جسيم بحق الوطن وأبنائه، فالتعليم هو القضية التي يوليها قائد هذا الوطن وولي عهده الأمين كل الاهتمام، والتعليم هو الحصن الذي يجب أن يحمي الأبناء ويعدهم للمستقبل الأفضل من أجل صالحهم وصالح وطنهم وأمتهم، وإذا تركنا التعليم للعابثين غير المتخصصين فكيف يكون حالنا؟ وإذا تركناه عرضة للتجار والمنتفعين والمتربحين فكيف ننتظر الخير لنا أو لأبنائنا؟

إن ظاهرة الدروس الخصوصية قد انتشرت وأخذ خطرها يستفحل دون خجل أو مداراة حتى صارت الإعلانات عنها أمراً مألوفاً في الأسواق والأماكن العامة بعد أن كانت هناك جهود من وزارة التربية والتعليم في السابق لمقاومتها ومحاربتها والوقوف في وجهها بشتى الطرق والوسائل، وكانت محاولات تقوية الطلاب في المواد الدراسية لتحسين مستوياتهم فيها هي إحدى الوسائل التي لجأت إليها الوزارة بجانب العقوبات التي كانت تطبقها في حق المعلمين الذين جعلوا الدروس الخصوصية وسيلة للتكسب والتربح الذي أقعدهم عن أداء واجباتهم بالكفاءة المطلوبة.

فأين ذهبت تلك الجهود؟ وما نتائجها؟ النتائج أصبحنا نشاهدها في الإعلانات عن الدروس وفيما تتناقله وتنشره الصحف من أخبار هي في حاجة لتنشيط الذاكرة من قبل جهات عديدة لتنظر فيما يمكن أن تواجه به هذه الظاهرة المخيفة. أنها مخيفة حقاً حين يصل الأمر بالمقيمات إلى الإعلان عن استعدادهم للتدريس بالمنازل ولن أذهب بعيداً عن مجال التدريس فذلك أمر تقدره جهات لها اختصاصها ولها خبراتها في مكافحة مسببات الفساد أو الإفساد. ولكن ميدان التربية والتعليم الذي تشرفت بالعمل فيه طيلة فترة من الزمن يفرض علينا جميعاً أن نعلن الحرب على الدروس الخصوصية وأن نعالج أسبابها والعوامل المهيئة لها والحافزة عليها وألا نكتفي فقط بالتحذير والتنبيه على المعلمين والمعلمات، فلم يعد الأمر يتوقف في هذه الظاهرة عند حدود الأوامر والزواج بل يتعداه إلى محاولات جادة، وخطوات واثقة نحو الإصلاح الشامل للتعليم والبحث بجدية عن مسببات هذه الظاهرة في ظل ما ينفق على التعليم من أموال طائلة، وما نعلق عليه من آمال، لنعيد للمدرسة دورها وبريقها وحتى لا يضمحل هذا الدور تحت وقع الضربات المستمرة التي يوجهها تجار الدروس الخصوصية نحو المدرسة (أقصد مدارسنا).












 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد