Al Jazirah NewsPaper Monday  14/01/2008 G Issue 12891
محليــات
الأثنين 06 محرم 1429   العدد  12891
د. باسم الإبراهيم.. يغيب مع كواكب الأسحار
محمد رضا نصر الله

باسم .. أبا بدر

بعد الآن لن أسمع وزملاؤك ومحبوك، صوتك المجلجل تحت قبة مجلس الشورى.. تقبض على القضية - محل النقاش - تتوسع في الرؤية، وتتعمق في التحليل، والكل مصغ إليك معجب بأصالة الرأي، نفاذاً إلى جواهر القضايا بروح وطنية، وثابة الطموح، عالية النبرة.

قبل أن أشرف بزمالتك، ما كنت عاهداً فيك هموم الناس بقلق معرفي موار.. ظننتك من قبل واحداً من الأكاديميين الورقيين، المطلين على ما يتفاعل في مجتمعهم ويتساجل، من برج عاجي موهوم التصورات، يستعير نظرية جاهزة من هنا، وفكرة نمطية من هناك، ويحاول إقحام القضايا المتحركة في سباقاتها غير المتحركة! مالي ولهذا يا أبا بدر؟!

وقد قطع قدر الله المقبول حبل التواصل والحوار معك.. كان آخرها في فسحة جلسة الاثنين الماضي.. والحديث الجاري في قضية وطنية موصولة بما قبلها.. جانبياً حميماً.. كنت تتعهدني فيه بحنان غامر.. وآخر الكلمات كانت حارة حول اكتواء المواطنين بغلاء الأسعار المتصاعد.. ولم أجدك مهموماً.. كما وجدتك في ذلك اليوم الذي سيبقى منذ الآن لامعاً في رأسي ما حييت.. وساءلتك:

إذن.. ماذا تفعل.. وأنت العضو المسموع الرأي في اللجنة الاستشارية لمجلس الاقتصاد الأعلى؟!

طفقت كعادتك الأكاديمية المدققة التفاعلية، تحلل وتشرح.. وكم أسعدتني.. وأنت تطري مداخلة لي قصيرة متواضعة حول هذا الهم، كنت أدليت بها صباحاً، قبل لقائنا الأخير بيوم.. بينما يكاد انتزاع الإطراء منك في موضوع كهذا، لا تؤتيه إلا من كان ذا حظ عظيم من المعرفة والإحاطة والوعي.. وقبل ذلك الإخلاص للقضية مناط النقاش.

باسم..

إنني هنا - كما يلاحظ من يقرأ هذه السطور - أحاول الابتعاد عن منطقة التفجر العاطفي، فموتك المفاجئ داهم الفرحة بك طاقة وطنية مذخورة مثقلة بالوعود.. لكنه لا يقوض الاعتزاز بشمائلك المشرقة في قلوب أصدقائك وزملائك وتلامذتك.. فمنذ تعمقت أواصر صلتي بك، ما أن آتي على ذكرك - يا أبا بدر - حتى ينهل الثناء عليك معطاراً من كل صوب في المجلس الذي يجمعني وعارفي فضائلك.. عالم اقتصاد من طراز ممتاز، وخبير محنك نادر المثيل، وقامة وطنية نسجت من روائح أزقة صفوى، وأمواج الخليج المتلاطمة، وهواء نجد العاصف.. نبيلة المحتد، كريمة الأصل.. لم لا؟ وهي سليلة هذه العناصر.

ما يفجر الأحزان في قلبي وقلوب محبيك أنك - ولا مرد لقضاء الله النافذ - مشيت على طريق النهاية الذي نحن جميعاً سالكوه قبل الأوان.. لكن ما يجعلنا نتجمل ونتصبر.. بل قل ما يجعلنا نسعد.. نعم يسعد بدر وأخواته وأمك المثكولة، وزوجك الصابرة المحتسبة، وأسرتك الكريمة ويسعدنا جميعاً نحن أصدقاؤك وزملاؤك.. أنك تركت لنا سيرة عطرة، فواحة بمعان زكية، قلّ نظيرها في هذا الزمن الاستهلاكي الخلب.

هل لي نسيان قامتك الموفورة الإحساس بالكرامة، تمشي ثابت الجنان أمام أهوال التحديات، كان مرآك يبدو متجهماً أمام صريرها.. لكنه يخفي وراءه قلباً رقيقاً مترعاً بالحب، ومترقرقاً بالروعة والجمال.

أي.. يا باسم.. أشهد أنك كنت جميل الخصال والفعال.. يا أيها الكوكب القصير العمر.. وكذا تغيب كواكب الأسحار.

(* ) عضو مجلس الشورى



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد