Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/01/2008 G Issue 12896
مقـالات
السبت 11 محرم 1429   العدد  12896
يارا
عبد الله بن بخيت

في إحدى الفضائيات وقف دكتور طويل عريض أبيض مشرئب بحمرة وراح يعدد تراجعات الغرب ونكوصهم عما ابتدعوه من تطور مزيف. ركن قليلاً إلى الصمت وقلب مجموعة من الأوراق كانت بين يديه والتقط نفساً عميقاً ثم عاد أشد حماسة وأجهر صوتاً ليعلن: أن عقلاء الغرب يدقون نواقيس الخطر على شباب أمة الغرب وحالهم الذي بلغ من التردي مبلغه. والنواقيس التي سمعها سعادة الدكتور هي نفس النواقيس التي سمعها رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده قبل أكثر من قرن من الزمان: التفسخ والانحلال والمادية والتدهور والانحطاط، فعقلاء الغرب الذين دقوا النواقيس أخبروه أيضا أن أمة الغرب ضاقت ذرعاً بالنظم الاجتماعية المتبعة وأساليب التعليم وتبادل السلطة العقيم وراحوا يتنادون دونكم تجربة المرأة في أفغانستان والاستقرار في الشيشان وتبادل السلطة السلس في الصومال. لا شك أن عقلاء الغرب في السويد وفنلندا والدنمرك وقفوا على هذه التجارب المضيئة والتطبيقات الحضارية وقرروا الأخذ بها. لكن المحزن أن هذه النواقيس الضاجة التي قرعها عقلاء الغرب وبلغت مسامع الدكتور وأسلافه محمد عبده ورفاعة الطهطاوي لم تبلغ بعد آذان سفهاء الغرب. أكثر من قرن من الزمان وهي ترن في الآذان والسفهاء مع الأسف سادرون في غيهم. كل يوم يزداد سفهاء الغرب تفسخاً وانحطاطاً وتدهورا حتى ضاقت بهم الأرض ذرعاً وراحوا يصنعون السفن الفضائية التي تنقل الإنسان إلى الفضاء ويصنعون الأدوية التي تخلص البشرية من الأمراض والأوبئة ويصنعون الملابس التي تستر عورة سعادة الدكتور قبل خروجه من البيت ويصنعون السيارة التي تقله إلى الاستديو ويصنعون الفضائية التي أبلغنا الدكتور من خلالها أن عقلاء الغرب بدأوا يدقون نواقيس الخطر. يا لهم من سفهاء. تصوروا أنه لولا هؤلاء السفهاء لما وصل إلينا ما قاله العقلاء. السفهاء هم واسطتنا وواسطة الدكتور وواسطة محمد عبده ورفاعة الطهطاوي لنسمع نواقيس العقلاء، وليس غريباً أن تكون النواقيس التي يقرعها العقلاء من صنع السفهاء أيضا ودليلنا على ذلك أن سعادة الدكتور يستخدم أدوات صنعها السفهاء ليخبرنا بما قاله العقلاء.

وقبل نهاية الحلقة عاد الدكتور إلى أوراقه يقلبها وعلى الدرب أخذ نفساً عميقاً فتخلل الأوكسجين أعماق رئتيه ليعود إلينا كثاني أكسيد الكربون.. ليقول: مع الأسف ففي الوقت الذي يدق فيه عقلاء الغرب نواقيس الخطر يأتي من بين ظهرانينا ومن بني جلدتنا وممن يتكلمون لغتنا من يريدنا أن نقلد الغرب ونستورد حضارتهم المزيفة وهي على ما هي عليه من تدهور وانحطاط وتفسخ، ثم يرفع رأسه شاخصاً إلى سقف الاستديو وهو يصرخ: إنهم والله سفهاء الأمة، ثم يشن حملة لا هوادة ولا تسامح فيها على سفهاء الأمة الإسلامية الذين يريدون تقليد سفهاء الغرب ويتجاهلون نواقيس عقلاء الغرب التي سمعها هو وأخذ بها من قبله وأوصلت الصومال والشيشان وأفغانستان إلى ما وصلت إليه.

فاكس: 4702164


yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد