Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/01/2008 G Issue 12907
الاربعاء 22 محرم 1429   العدد  12907
أسماء الزهراني في (انكسارات)
تجليات النص الشعري بين أنثوية الكتابة وذكورية العالم الشعري

عبدالله السمطي

1- لا تثريب على الشاعرة أن تعبر عن مختلف الموضوعات والقضايا الواقعية وغير الواقعية في نصها الشعري. إن التوجه لكتابة القصيدة هو توجه إنساني، عام في حقيقة الأمر، وهو توجه تحكمه اعتبارات الثقافة، والفكر، والوجدان الجمعي. بيد أن التمايزات النوعية الفارقة بين توجه وآخر تبقى دائما هي الجوهر الذي يبحث عنه الفن الشعري، ويتغياه.

على هذا الحذو فإن ثمة إشكاليات تلوذ بما هو جمالي، وتصبو إلى الكشف عن بعض الآليات التأويلية في النصوص، أود أن أطرحها ها هنا عبر قراءة ديوان الشاعرة أسماء الزهراني: (انكسارات) (المفردات، الرياض 2005).

الشاعرة أسماء الزهراني، اكتملت لها عناصر الكتابة الشعرية المبدئية: اللغة الشعرية، التعبير التصويري المتميز، الإيقاعات المتبدلة التي تترى ما بين الإيقاعات الموروثة في شعريتنا التقليدية، وبين إيقاعات التفعيلة والنثر أيضا، كما أنه من الجلي أن إصدار ديوان شعري هو خطوة تاريخية حاسمة في تحولات أية شاعرة وأي شاعر، فهو يوثق مرحليا وتعبيريا وفنيا لمرحلة شعرية ما، كما يبرهن على أن انبثاق الشعر في كل زمن وعصر هو من التجليات الحضارية الثرة المدهشة لأية أمة من الأمم، على اعتبار أن الشعر هو أحد الآفاق الوجدانية الروحية التي تلملم شظايا الذات، وتقاسم ما هو إنساني مكابدة الوجود.

من هنا لن أتوجه إلى التنقيب عن الجماليات الشكلية أو الدلالية كما أفعل في جل ما أكتبه من نقد، سيكون توجهي هذه المرة إلى كيفية التعبير بلغة شعرية ذكورية شعرية عن حياة أنثى شاعرة ولماذا تصر الشاعرات على التماهي مع هذه اللغة والكتابة بها؟ ولماذا لا يعبرن بلغة شعرية مختلفة أو بأفق شعري يعبر حقيقة عما تكابده المرأة الشاعرة بشكل واقعي؟

لقد حملت نصوص الديوان آفاقا متعددة من التعبير الدلالي عن: الوطن، والحب، وعالم الطفولة، والرثاء، والمديح، والتعبير عن الذات. بيد أن جل هذه الآفاق تمت الكتابة عنها شعريا بلغة ذكورية: وقفت الشاعرة على الأطلال، سواء كانت قديمة أم معاصرة، وبكت واستعبرت، ظعنت، وناجت الأحبة القدامى القادمين من فضاء التراث، أقامت استعاراتها وكناياتها على نماذج شعرية معهودة. (إن جل القصائد البيتية بالديوان تتماهى إيقاعيا - بشكل من أشكال المعارضة الشعرية - مع قصائد محببة من محفوظاتنا الشعرية).

2- في (انكسارات) نحن حيال شاعر يكتب، وينظم، لا حيال شاعرة تحيا واقعها الراهن، وتجوس خلال تفاصيله، حتى إن من فرط هذا التماهي بين ما هو أنثوي وما هو ذكوري - دلاليا وتأويليا بالطبع - تتحول (الأنا) المؤنثة إلى (أنا) مذكرة في قصيدة: (ذاكرة الندم):

منذ انتبذت هواك من فلواتهم

أضحيت في تاريخ أوجاعي علمْ

وأنا المسربل بالهروب

أنا المعنون بالندوب

أنا المؤثث بالعدمْ

إن الشاعرة لم (تنتبذ) مكانا شرقيا أو قصيا، لتحقق أنثويتها الشعرية الكتابية، بل إنها لم تقل: (المسربلة، المعنونة، المؤثثة)، وتركت القارئ يلملم جراحه الدلالية عبر هذا التماهي مع اللغة الشعرية الذكورية. إن هذا التماهي سيجعلنا آنئذ نصف لغة الشاعرة باللغة الكلاسيكية التقليدية، لا باللغة الشعرية الجديدة المتطورة التي تعبر عن لحظتها.

لقد استهلت الشاعر ديوانها بالبكاء على الأطلال، قدمت نفسها من البيت الأول في أول قصيدة بالديوان بهذا البكاء الشعري الفني الموروث، حيث تستهل قصيدتها (هل ضيعتُ خارطتي) بهذا البيت:

لم يبق والهجر يرسو فوق شطآني

إلا الوقوف على أطلال أشجاني

فالوقوف على الطلل وإن انتقل مجال الوقوف المكاني التراثي إلى مجال الوقوف المعنوي (أشجاني)، فإن أفق التصوير هنا يظل مشدودا إلى هذا المجال التراثي، لأن رافد الصورة هنا هو هذا المجال القديم، هذا الوقوف كان من فعل اللغة الشعرية الذكورية، فالشاعر هو الذي ابتدع هذا الوقوف الذي انتقل إلى وقوف فني متكرر في شعريتنا العربية حتى اليوم.

وتنتقل الشاعرة إلى شعرية الحكمة، وهو انتقال مباح شعريا ولا تثريب على الشاعر أو الشاعرة أن تمارسه شعريا، لكن آلية الكتابة لم تتغير إذ تسبح في المجال الدلالي نفسه لشعر الحكمة، ولا تقدم حكمة الأنثى في رؤيتها للأشياء:

ما أضيع العمر خلف الوهم نهدره

وليس للوهم حد للمجاراة

الليالي تعاورت كبريائي

بحراب من جفوة الأصحاب

إن الشاعرة في جل قصائدها البيتية تكتب بحس شعري ذكوري، وبتمثل كبير لطريقة التعبير الشعري الرجالي، وهو ما يدعونا إلى التساؤل عن تقليدية هذه الكتابة، فقصائد مثل (هل ضيعت خارطتي) و(صفعة ندم) و(سهد) و(عجبا) على سبيل المثال، تعبر عن شاعر لا عن شاعرة.

3- إنني لا أغمط حق الشاعرة في طريقة التعبير الشعري، وفي صياغة نصوصها تبعا لرؤيتها الشعرية، بيد أن الرؤية الشعرية الجديدة ينبغي أن تعبر عن الذات الشاعرة، وأن تعطي تميز هذه الذات في قراءة العالم واستشعار تفاصيله شعريا.

لقد حدث هذا التميز في عدة قصائد في الديوان خاصة في: (حوار على إيقاع الخطيئة، معبد الحرية، كل موت وأنتم بخير) كما في بعض المقاطع الشعرية التي تنبث في بعض قصائد الديوان الأخرى.

إن الشاعرة تمتلك لغة شعرية دالة، وحسا معبرا عن الأشياء والذات والتجربة، بيد أن هذه اللغة لا يمكن لها أن تمد دلالاتها التأثيرية إلا عبر مجاوزة اللغة الشعرية المعهودة، والإصغاء إلى اللغة الشعرية الخاصة الشفيفة، كما في هذا المقطع الذي أختتم به هذه القراءة:

لا تتركيني أطيل الوقوف ببابك

يا فتنة الكلماتْ

على أهبة الموت جئتُ

على مركب من بقاياي

سافرتُ عبر شقوق الرتابة

في أضلعي يلتقي الماء والنار

ترتج عاصفة المبهماتْ.






 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد