Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/01/2008 G Issue 12907
الاربعاء 22 محرم 1429   العدد  12907
القرارات الأخيرة ومحاصرة التضخم
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

القرارات التي أصدرها مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله- يوم الاثنين الماضي لمحاصرة موجة الغلاء، وامتصاص آثارها على المواطن، كانت قرارات تحمل في تركيبتها - كحزمة قرارات - محاولات مدروسة بعناية لتطويق الغلاء، والارتقاء بدخل المواطن من جهة وكذلك تخفيض تكاليف الحياة المعيشية من جهة أخرى، بالشكل والمضمون الذي يمكنه من التعامل مع أزمة الغلاء التي يشهدها العالم من أقصاه إلى أقصاه بأقل قدر من الخسائر، وحسب ظروف المملكة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وبالذات (أعداد السكان)، والتي تتزايد باستمرار، والتي لا يمكن لمن يريد التعامل مع هذه الضغوطات التضخمية عدم أخذها بعين الاعتبار.

وقبل أن أدخل إلى الحديث عن هذه القرارات دعوني أشير إلى نقطة في غاية الأهمية مفادها أن مقارنة المملكة ببعض دول المنطقة المجاورة، وبالذات دول الخليج، مقارنة غير دقيقة، لوجود الفارق السكاني، والذي هو أهم نقاط (التباين) بيننا وبين دول الخليج.. فكونك تتعامل مع دولة لا يتجاوز تعداد سكانها بضع مئات من الآلاف، وتملك دخولات عالية مقارنة بأعداد مواطنيها، تختلف - كحالة- مع التعامل مع ظروف المملكة، والتي يتجاوز تعداد سكانها العشرين مليوناً، ولديها من الالتزامات الدفاعية والأمنية والتنموية أضعاف ما لدى دول الخليج. لذلك فلا يمكن أن يكون المحللُ موضوعياً وعلمياً إذا لم يأخذ هذه العوامل بعين الاعتبار. هذه نقطة أجد من الضرورة فهمها لأننا - بصراحة- نظلم المملكة، الدولة المترامية الأطراف، وذات الظروف المختلفة، عندما نقارنها بدولة صغيرة كأي إمارة من إمارات الخليج في أي أمر من هذه الأمور، ابتداء من الدخل وانتهاء بالإنفاق، ومحاصرة التضخم، فعامل الفارق الكبير في (تعداد السكان) يجعل المقارنة ليست علمية تماماً.

أعود للحديث عن الحدث الذي هو صلب هذا الموضوع. فقد اتخذت القرارات السبعة عشر التي تم اعتمادها خلال جلسة مجلس الوزراء الاثنين الماضي بهدف كبح جماح غلاء الأسعار مسارين متوازيين:

الشق الأول: محاولة خفض الرسوم التي تتقاضاها الحكومة على السلع والخدمات المستوردة بشكل كبير. فقد خفضت رسوم الموانئ إلى (النصف)، وكذلك الأمر بالنسبة لرسوم جوازات السفر ورخص السير ونقل الملكية وتجديد رخصة الإقامة للعمالة المنزلية لمدة 3 سنوات. إضافة إلى استمرار دعم السلع الأساسية للتخفيف من حدة ارتفاع أسعارها، وهذا الدعم سبق وأن تم اعتماده في وقت سابق. وفي الاتجاه نفسه قرر المجلس منع أي نوع من الممارسات الاحتكارية، وتفعيل الدور الرقابي والتوعوي لجمعية حماية المستهلك، والإسراع في إنهاء مشروع نظام السياسة التموينية، وتكثيف جهود مراقبة الأسعار. ومن المعروف أن من مهام الدولة المعاصرة أن تمنع (الاحتكار)، لتعطي لتفاعلات السوق من خلال آلية العرض والطلب، العمل على تحقيق أسعار تنافسية لا يستغل فيها التاجر- لأي سبب من الأسباب- المستهلك، منع الاحتكار من خلال إعادة صياغة أنظمة الوكالات التجارية - كما أشار القرار- من خلال عدم حماية الوكالة (الحصرية)، وتضييق الخناق عليها، وجعلها في أضيق نطاق، من شأنه أن ينعكس على الأسعار بما يخدم المستهلك، وهذا أحد الأهداف (المهمة) التي أشارت إليها القرارات، ونرجو أن يتم تفعيلها في اقرب وقت.

دعم قطاع السكن كان أحد أهم القرارات- أيضاً - التي تمخضت عنها عملية محاصرة الغلاء، من إصدار نظام الرهن العقاري والأنظمة المرتبطة به بشكل عاجل، وهذا النظام فيما لو تم تفعيله سيكون له بكل تأكيد اثر جوهري في امتصاص أزمة توفير المساكن، وبالذات لجيل الشباب، كما ثبت ذلك من خلال تجربة مثل هذا النظام في الدول الأخرى. كما شدد المجلس على: (تفعيل الهيئة العامة للإسكان بشكل عاجل، وتمكينها من مزاولة مهامها خلال هذا العام، والمسارعة في بناء الإسكان الشعبي الذي تم اعتماد مبلغ عشرة مليارات ريال له، مع استمرار اعتماد مبالغ إضافية للإسكان الشعبي في السنوات القادمة، واستمرار إجراء ونشر المسوحات الميدانية الدورية للأسواق، لرصد تحركات الأسعار).

وغني عن القول أن ارتفاع تكاليف الإسكان، ومواد بناء المساكن، كانت من أهم العوامل التي يعاني منها المواطن، وبالذات محدودي الدخل، فقد شهدت أسعارها في الآونة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً، جعلها تستهلك نسبة كبيرة من مداخيل المواطنين، ولمحاصرة هذه الظاهرة لابد من حث ميكانيكية (العرض) لتواكب (الطلب)، بالشكل الذي يحقق قدراً معقولاً من التوازن بين مداخيل المواطنين ومتطلبات توفير السكن. وغني عن القول أن تحفيز مثل هذه العوامل وتفعيلها عملياً يحتاج إلى برهة من الزمن، غير أن الأهم في هذا الجانب، والذي يعتبر نقطة جوهرية، تسهيل إجراءات استقدام العمالة، وهو ما أشار إليه القرار، فالعمالة الأجنبية، خصوصاً في حقل البناء تعتبر عاملاً رئيساً في مواكبة متطلبات الطلب على البناء، وسوق (عمال البناء) في الآونة الأخيرة يعاني من شح هذه العمالة، بسبب التشدد في استقدام العمالة الأجنبية، الأمر الذي رفع من كلفة أجور العمالة الموجودة وبالتالي ارتفاع أسعار بناء المساكن.

أسعار الدواء كضرورة من ضروريات الحياة، كان لها حصة من هذه القرارات فقد تحدث القرار في إحدى نقاطه عن: (مراجعة الإجراءات المتعلقة بتسعير الأدوية وتسجيلها، والإسراع في إنهاء الدراسة الخاصة بالتأمين الصحي على المواطنين).

ولعل جانب التأمين الصحي هو بيت القصيد في هذا الجانب، رأيي أن (الحل) يكمن في تفعيل التأمين الطبي، وجعله (إلزامياً) تقوم به المنشأة التي يعمل فيها المواطن. ومن خلال هذه الممارسة يستطيع القطاع الخاص أن يضطلع بمهمة توفير خدمات الصحة العامة للمواطنين، ونقل هذه المسؤولية، أو على الأقل جزء منها، من عاتق وزارة الصحة إلى القطاع الخاص. ولابد من القول هنا إن التأمين الطبي وتفعيله، وجعله حقيقة على أرض الواقع، يعاني من بطء شديد، ولا أدري ما هي الأسباب، غير أن الضغوط التضخمية التي نمر بها في المملكة يجعل من اعتماده بشكل عاجل أمرا لا تتطلبه الضرورة فحسب، وإنما يحتمه (استقرار) مجتمعنا أيضاً، نظراً للمطالبات المتزايدة للارتقاء بهذه الخدمة من وضعها الضعيف الذي تئن منه للأسف الشديد إلى وضع يواكب غيرها من الخدمات في مجتمعنا.

الشق الثاني من هذه القرارات، وهو الشق المتعلق بدعم دخل المواطن مباشرة بإضافة بدل بمسمى (بدل غلاء المعيشة) إلى رواتب موظفي ومستخدمي ومتقاعدي الدولة سنوياً بنسبة 5% وذلك لمدة ثلاثة سنوات. وكذلك زيادة مخصصات الضمان الاجتماعي بنسبة 10%.

وفي تقديري أن هذه القرارات سيكون لها - كحزمة قرارات- أثر فاعل وجوهري على محاصرة التضخم، والحد من تأثيره على المواطن.

ولعل الحيرة التي يقع فيها المخطط الاقتصادي في مواجهة الضغوطات التضخمية عادة تكمن في كيفية زيادة دخل المواطنين دون أن تؤثر هذه الزيادات على تأجيج التضخم. فلو - مثلاً- تم زيادة الرواتب مباشرة بنسب كبيرة، لكانت هذه الزيادة سبباً لتأجيج ارتفاع الأسعار، مما سيلتهم بكل تأكيد أي زيادة، ولن تجدي نفعاً في تخفيف حدة غلاء الأسعار وانعكاساتها على المواطن، بينما التعامل بطريق غير مباشرة، كما هي قرارات المجلس هذه - من شأنها أن توفر للمواطن في المحصلة النهائية قدرة تحملية على ارتفاع الأسعار أفضل بكثير من أن يتم زيادة الرواتب مباشرة بنسبة كبيرة، وهذا ما أرادته هذه القرارات بشكل واضح وجلي.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد