تذكرت قول أبي ذؤيب الهذلي: |
وإذا المنية أنشبت أظفارها |
ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع |
فالعين بعدهم كأن حداقها |
سملت بشوك فهي عور تدمع |
تذكرت هذا حينما جاءني اتصال هاتفي بعد ظهر يوم الاثنين 15 من شهر ذي الحجة لعام 1428هـ وقد كنت مع أحبتي وإخوتي في الاجتماع العائلي في إحدى الاستراحات في محافظة الزلفي وإذا بالمتصل يفاجئني بقوله مات والدي رحمه الله وأنهى بعدها الاتصال. لم أستطع تصور الموقف حين مفاجأة الصدمة فأبو عبد المحسن بمثابة والدي. نعم لقد مات سليمان بن عبدالعزيز الموسى فالحمد لله على قضائه وقدره، ولله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى. بعدها سرح خيالي، واسترجعَت ذاكرتي علاقتي الوطيدة به. |
لقد عرفته حق المعرفة حينما تم تعييني إماماً لجامع الغنام قبل سبع عشرة سنة وكانت معرفتي به في السابق معرفة مواطن بمسؤول رأس إدارة الأحوال المدنية ثم رئيساً للبلدية في المحافظة. لقد هيأ لي الجو المريح وصار خير معين لي بعد الله باستمراري بالإمامة طوال هذه المدة رغم بعد المسافة بين البيت والمسجد حينما طلب مني بأن لا أحمل هماً في حال غياب أو تأخر سواء كان من الإمام أو المؤذن أو من كليهما، وبأنه سيقوم بالمهمة متى ما احتاج الأمر إلى ذلك، ولا أدل على ذلك من موقف حصل عندما فكرت في إتمام دراستي الجامعية في جامعة الإمام بالقصيم وعرضت علية فكرة الدراسة شجعني على ذلك والتحقت بالجامعة وصار يقوم بالأذان وإمامة المصلين لصلاة الظهر طوال دراستي الجامعية حتى أتممتها ولله الحمد. |
لقد فقد جماعة المسجد وغيرهم مصباحاً يشع هيبة، وصمتاً، وصبراً، ووقاراً، وتواضعاً، وأدباً، وحسن خلق. فرغم كبر سنه ومكانته -رحمه الله- إلا إنه نعم المأموم المثالي فهو القدوة في ذلك فلم أعهد منه ولم أسمع إلا الكلمة الطيبة وعدم التدخل بشؤون المسجد بعامة فلم يشتك من طول قراءة أو تأخر أو تقدم في إقامة الصلوات، أوغياب إمام أو مؤذن، أو مكيفات، أو مراوح، أو إضاءة مصابيح، أو ارتفاع صوت مكبر أو غير ذلك. فقلما تجد إنساناً قي مثل سنه ومكانته ليس له دور في الأمر والنهي وفرض الرأي وتعكير الصفو على إمامه وجماعة مسجده. لقد فقده مكانه المعروف في روضة المسجد ومصحفه الذي ستشهد -إن شاء الله- صفحاته وأوراقه لأنامله من كثرة تقليبها وكثرة ختمه للقرآن. لقد فقده أصحاب قيام آخر الليل حينما كان يصدح بصوته الندي المميز في رفع (الأذان الأول) فقط فكان يؤذن قبل طلوع الفجر بساعة وفي رمضان بساعة ونصف الساعة حتى مرض مرضه الأخير فأوكل بذلك أبناءه حيث أوصاهم بالقيام بهذه المهمة فقاموا بذلك أحسن قيام. كل ذلك يبتغي به وجه الله. لقد كان رحمه الله محباً لبذل الخير فيما أراه داخل أروقة المسجد فلا يكاد يرى محتاجاً إلا ويبهج سريرة ذلك المحتاج. وأنا حينما أذكر بعض مآثره فإنما أذكر نفسي وإخواني بأن الإنسان حينما يغتنم الحياة في نفع الناس والتزود من الخير فإن ذكره باق وأجره بإذن الله مدخر. |
وما دام ذكر العبد بالفضل باقيا |
فذلك حي وهو في الترب هالك |
ما أجمل وأبيض صفحات حياتك حينما يفقدك الناس قبل أقربائك، ما أجملها حينما يشعر كل من حولك بقدرك والتأثر بغيابك. ولقد جلست في مجالس كثيرة بعد وفاته - رحمه الله- فيها طلاب علم وأخيار وكبار سن وعقلاء ووجدت الجميع يثنون عليه ويذكرونه بالخير ويشيرون وأكثر إلى تلك الصفات التي نوهت عنها سابقا وهذا ما دعاني لكتابة هذه الأسطر. فرحمك الله يا أبا عبدالمحسن رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته ووالدينا وجميع المسلمين. |
|