Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/01/2008 G Issue 12907
الاربعاء 22 محرم 1429   العدد  12907

فليبدأ البر بالوالدين من الأحوال المدنية
عبدالعزيز بن حمد العبدان - المجمعة

 

ليس هناك حق بعد حق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أوجب على العبد ولا آكد من حقوق والديه عليه، والنصوص الواردة في ذلك من الوحيين كثيرة جداً قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}وقال تعالى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا...}

وقال صلى الله عليه وسلم (ففيهما فجاهد..) وحديث (... من أولى الناس بحسن صحابتي... أمك ثم أمك ثم أبوك...).

وأمثلة البر بالوالدين كثيرة فكان الصحابة رضي الله عنهم مثالا يحتذى في ذلك وكذلك التابعين وسلف الأمة وليست قصة أويس القرني ببعيد الذي منعه من قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم بره بأمه وهو الذي طلب منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يستغفر الله له عندما قدم إلى مكة ففعل لأنه لو أقسم على الله لأبره كما أخبر الصادق المصدوق.

وهذا حيوة بن شريح وهو أحد أئمة المسلمين والعلماء المشهورين تأمره أمه وهو في حلقته يعلم الناس وبين طلابه فتقول له قم يا حيوة فأعلف الدجاج فيقوم ويترك التعليم.

وقد فسر ابن عباس الإحسان في قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}أي البر بهما مع اللطف ولين الجانب فلا يغلظ لهما الجوانب ولا يحد لهما النظر ولا يرفع صوته عليهما بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللا لهما.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها: الأولى قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه، والثانية قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ{فمن صلى ولم يزكِ لم يقبل منه، والثالثة قوله تعالى: }أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه، ولذلك قرن النبي صلى الله عليه وسلم رضى الله برضى الوالدين.

وعندما أنشد شيخ كبير أبياتاً أمام النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر بن عبدالله أنشد قصيدة من ثمانية أبيات تقريباً منها:

فلما بلغت السن والغاية التي

إليها مدى ما كنت فيك أؤمل

جعلت جزائي غلظة وفظاظة

كأنك أنت المنعم المتفضل

عندها قال صلى الله عليه وسلم للابن (أنت ومالك لأبيك).

والعقوق محرم قطعاً مذموم شرعاً وعقلاً ومن أكرب الكبار وكل معصية تؤخر عقوبتها بمشيئة الله تعالى إلى يوم القيامة إلا العقوق فإنه يعجل له في الدنيا وكما تدين تدان.

أما انتشار عقوق الوالدين في هذه الأيام وتعدد أشكاله وألوانه نذير شؤم وعلامة خذلان للأمة ليدل على انحراف خطير في المجتمعات عن شريعة الله تعالى التي جعلت رضى الله في رضى الوالدين وسخطه في سخطهما.

وفي قصة الأصمعي المشهورة والمؤثرة حيث يقول: حدثني رجل من الأعراب قال خرجت من الحي أطلب أعق الناس وأبر الناس فكنت أطوف في الأحياء حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يسقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحر الشديد وخلفه شاب في يده رشا (أي حبل) ملوي يضربه به قد شق ظهره بذلك الحبل، فقلت أما تتقي الله تعالى في هذا الشيخ الضعيف أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه قال: إنه مع ذلك أبي، فقلت فلا جزاك الله خيراً. قال اسكت فهكذا كان يصنع بأبيه وهكذا كان يصنع.

فانظروا كيف قيض الله لهذا الوالد العاق من أبنائه من يعقه والجزاء من جنس العمل {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}

فعلى الابن أن يتولى خدمة والديه في كبرهما وليس العكس على ما توليا من خدمتك في صغرك على أن الفضل للمتقدم فقد كانا يحملان أذاك وهما يرجوان ويتمنيان ويدعوان الله تعالى لك بالحياة أما أنت إن فعلت ذلك فإنك ترجو موتهما.

وفي نظام الأحوال المدنية ما إن يبلغ الشاب سن السادسة عشرة إلا ويسمح له النظام ببطاقة أحوال خاصة وهذا جيد؛ ولكن ذلك الابن يلغى من دفتر العائلة لأسرته ويفك ارتباطه بوالديه رسمياً في بطاقة العائلة مما يدخل في الابن شعوراً آخر بانفصاله هذا، وما إن تتزوج البنت إلا وتحذف أيضا من بطاقة العائلة ويفك ارتباطها بأبيها في جميع الدوائر الرسمية.

قد تجد في بطاقة الأب العائلية من الأبناء الخمسة والعشرة والخمسة عشر وبعد سنوات تجد بطاقة الأب العائلية خالية من الأبناء ولم يبق فيها إلا الوالدان فقط.

فلماذا لا يبقى الأبناء في بطاقة الأب العائلية وإن أخذ الشاب بطاقة خاصة وتزوجت البنت ويتم وضع إشارة معينة تفيد أن الابن له بطاقة خاصة به والبنت متزوجة لاسيما وأن التقنية الحديثة تسهل ذلك فإن هذا أدعى إلى إشعار الأب بقرب أبنائه منه كما أن هناك نقطة مهمة ألا وهي عندما يريد الأب أن يسافر مثلا ببناته المتزوجات لأي مكان فما الذي يثبت أن لديه بنات إذا كانت بطاقة العائلة خالية من البنات والأبناء والبنت ليس لديها ما يثبت ذلك.

وعندما يقدم الأب بطاقته العائلية لأي جهة رسمية يكون فيها ما يدل على وجود أبناء له في الوقت الذي قد يزعم الأب لسبب أو لآخر خلاف ذلك، والأبناء قد يخلصهم خلو البطاقة من أسمائهم من ضغوط اجتماعية من الممكن أن تكتشف عقوقهم.

إذاً فما الذي يمنع من إبقاء الأبناء في بطاقة الأب العائلية مع وضع إشارة تفيد بحالة كل من الابن والبنت.

في بلاد الغرب ما إن يبلغ الطفل سن المراهقة حتى تتيح له السلطات أن ينفصل عن والديه باعتباره شخصية مستقلة

نعم نحن نطلب الاستقلال ولكن لا نريد الانفصال كما يفعل الغرب.

نريد الابن أن يستقل بشخصيته وماله وأن يعتمد على نفسه كما يسميه بعض علماء النفس (الفطام) النفسي والاجتماعي الذي يبني عندهما حالة الاعتماد على الذات ويشعرهما أنهما باتا يتعاملان معهما كإخوة وأخوات.

لا نريد أن يبدأ العقوق من الأحوال المدنية بل أن يبدأ من الأحوال المدنية البر والإحسان في بطاقة العائلة!! فهل نرى ذلك؟


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد