Al Jazirah NewsPaper Monday  04/02/2008 G Issue 12912
الأثنين 27 محرم 1429   العدد  12912

حديث عن حديث (3)
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

كان آخر ما أشير إليه في الحلقة السابقة تعبيري عن موقفي تجاه ما حدث في العراق زمن عبدالكريم قاسم بقصيدة أوردت منها بعض الأبيات. على أن ما ارتكب من جرائم في بغداد بخاصة وفي بقية مناطق العراق بعامة منذ ........

العدوان الأمريكي على ذلك البلد العربي واحتلاله لم يشهد مثله في تاريخه حتى ما ارتكبه هولاكو. ومع كل ما تقدم فقد كنت، في ذلك الوقت، ممن لم يفقدوا الأمل في انجلاء الغمّة عن سماء الأمة. وقد عبرت عن تفاؤلي بقصيدة عنوانها:

(فجر النصر)، منها:

كفكف دموعك في محاجرها

فالفجر لن تغتاله الظُّلَم

والقلب لا ينسب إلى دمه

بأس يكبِّله ولا سأم

هذي رؤى الآمال مشرقة

في أرضنا السمراء تبتسم

ومنها:

إني نذرت لأمتي وتري

ما دام ينبض في العروق دم

أمجادها لحنٌ على شفتي

وكفاحها في خاطري نغم

أستلهم الكلمات ناطقة

من مجدها فيصوغها القلم

شعراً على نبرات أحرفه

يتعانق الإصرار والشمم

يا للمعنى والفجر في أفقي

متموِّج الإشراق مبتسم

أرنو فأبصر في طلائعه

حمماً تفجِّر نارها حمم

وثَّابة الخطوات زاحفة

للنصر.. للتحرير تقتحم

وأرى الحمى الدامي يعانقها

لثماً ويبسم للشهيد فم

والوحدة الكبرى يرفّ لها

في كل ساح حرَّة علم

ولقد بدا في الأفق ما يؤيد ذلك التفاؤل؛ إذ انتهى حكم الذين قاموا بالانفصال في سورية، وحلّ محلَّه حكم ذو توجُّه وحدوي، وأزيل الحكم الذي سيطر الشيوعيون في ظله على مجريات الأحداث في العراق، وحل محله حكم ذو توجه وحدوي أيضاً. ونتيجة لهذا وذاك بدأت مفاوضات ثلاثية تهدف إلى إقامة وحدة تضم سورية ومصر والعراق. وإضافة إلى ذلك تحرر الشعب الجزائري من نير الاستعمار الفرنسي، وكان تحرره مبعث أمل جديد في تحرير ما بقي من أراضي الأمة العربية تحت الاستعمار، بما في ذلك الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.

على أن بوادر الأمل ما لبثت أن أخذت تتضاءل، فالمفاوضات الثلاثية المشار إليها باءت بالفشل، والانقسامات الدامية بين البعثيين والقوميين الآخرين أصبحت على أشدها. وأصبح من الكتاب والشعراء من يتفنَّنون في مدح هذا الزعيم أو قدح ذاك. وكان صدى ذلك في نفسي قصيدة كتبتها بعنوان: (بقينا كما كنَّا).

بقينا على مرِّ الليالي كما كنَّا

فلم نستفد منها ولا غيرت منَّا

بقينا ولم نحفل بما لاح من رؤى

عوادٍ ولم نفطن إلى خطرٍ عنَّا

نهيم بوادي التيه حيرى تلفُّنا

سدول ظلام في ضمائرنا جنَّا

ضمائر في ظلِّ النفاق ترعرعت

فهامت به شوقاً وتاقت له فنَّا

وعبَّت حميَّاه غراماً ولهفة

فما تركت كأساً ولا أغفلت دنَّا

تملَّكها حتى استحال سجيَّة

ملازمة لم تنفصل لحظة عنَّا

نكيل لمن غنَّى المدائح شاقنا

ترنُّمه أم ساءنا وقع ما غنَّى

ونظهر تعظيماً لكل مغامرٍ

جديدٍ وإن كنَّا نسيء به الظنَّا

نردِّد ما تهوى أساطين حزبه

كأنا بما صاغوا من القول آمنَّا

فإن مدحوا قزماً مدحنا وإن دعوا

على بطل من خيرة القوم أمنَّا

ونزعم خواناً من الناس من سعى

على خير ما شاء الزعيم وما سنَّا

وإن كان لم يسرق من الشعب حقه

عفافاً ولا خان البلاد كما خنَّا

قبلنا من المبتز حلو ادِّعائه

وفزنا من الأقوال بالروضة الغنَّا

أتى بالمنى الخضراء حين مجيئه

وعوداً ولم يصدق بما كان قد منَّى

وكم مدَّعٍ تحرير شعب وفعله

يبرهن أن الشعب أمسى له قنَّا

بقينا صراعاً بين آلام حاضر

وماضٍ على أطيافه نقرع السنَّا

تمرُّ بنا الأيام دون توقف

وتمضي لياليها ونحن كما كنَّا

وكان مما عمَّق الألم في النفوس ما حدث نتيجة الصراع في اليمن من تدهور العلاقات بين المملكة العربية السعودية ومصر، التي كانت الركن الأساس في المواجهة مع الكيان الصهيوني. وفي ظلِّ تلك الظروف لم يكن غريباً أن حدثت هزيمة 1967م، التي كان من نتائجها تطلع الكثيرين إلى حركات المقاومة الفلسطينية، وبخاصة بعد التنسيق الموفق في معركة الكرامة بين تلك المقاومة والجيش الأردني.

وقد كتبت من وحي ذلك قصيدة عبَّرت فيها عن رأيي في فشل قرارات الأمم المتحدة في حل قضية فلسطين حلاً عادلاً، وأن هذا الحل لا تحققه إلا المقاومة.

ولعلَّ مما هو جدير بالذكر أن زعماء العرب - رغم الهزيمة العسكرية عام 1967م - عبروا عن إرادة قوية في مؤتمر الخرطوم، وأعلنوا أنه لا سلام مع الكيان الصهيوني، ولا اعتراف بشرعية وجوده على أرض فلسطين، ولا تفاوض معه. وإضافة إلى ذلك قامت حرب استنزاف على الجبهة المصرية مع ذلك الكيان، وكان لتلك الحرب الباسلة أثرها الواضح في حرب 1973م، التي أثبت فيها المقاتل العربي على الجبهتين السورية والمصرية عظمته. لكن تلك الحرب التي بدأت بانتصار عسكري، انتهت بما محا سطور ذلك الانتصار لأسباب يعرفها المتابعون لسير الأمور. وقد عبَّرت عما شعرت به إزاء ما حدث في قصيدتين إحداهما عنوانها (رسائل من الجبهة)، وثانيتهما عنوانها (الأساطير). وكانت تلك الرسائل على لسان مقاتل مصري بعثها إلى أمه، عبَّر في أولاها عن ضيقه من الصمت المطبق على الجبهة وإيمانه بأن تحرير الأرض لا يتم إلا بسقياها من دم الأبطال. ثم عبَّر في الثانية عما كان يحققه من نصر على جبهتي مصر وسوريا، وإيمانه بأن تحرير الأرض بما فيها القدس قاب قوسين أو أدنى. أما في الثالثة فعبَّر عن خيبة أمله بنتيجة تلك الحرب، أما قصيدة الأساطير فمقارنة بين أساطير الجدة التي كان الأطفال يطربون لها ويصدقونها وأساطير رجال السياسة التي يريدون أن يصدِّق الناس مزاعمهم. والقصيدتان منشورتان في مجموعة (عودة الغائب)، ولا يتسع مجال المقالة لإيرادهما، وإن كانتا قد أوردتا في المحاضرة التي ألقيت في مؤسسة عبدالحميد شومان، والتي اختتمت بالحديث عن جرح آخر من جراح أمتنا: جرح بلاد الرافدين؛ وهو ما سيرد له ذكر في الحلقة القادمة؛ وهي الأخيرة، إن شاء الله.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد