Al Jazirah NewsPaper Tuesday  05/02/2008 G Issue 12913
الثلاثاء 28 محرم 1429   العدد  12913
بين اعتزال سامي الجابر وعزل المذيعين
احتارت قضيتنا الثقافية
د. عبد الله بن ناصر الحمود

في هذا المقال إهداءٌ لطيف مع التحية والتقدير لمعالي وزير الثقافة والإعلام، وفيه - أيضاً - لمحة سريعة على إخفاقنا العربي - بشكل عام - في بناء قاعدة متينة لإعلامنا المتخصص بكل ألوان طيفه. وفيه - كذلك - امتنانٌ مباشرٌ لرواد الإعلام الرياضي بشكل خاص.. ولصنّاع العمل ...

الرياضي بشكل عام في مجتمعنا. وفيه - ختاما - فيض خاطر.. سوف أبدأ بتحية عطرة لمعالي الوزير الأستاذ إياد مدني، الذي عرفت عنه (أنموذجيته) في العمل الدؤوب، فيما يعتقد، هذا القيادي المخضرم، أنه يخدم قطاعَ الإعلام والاتصال في بلادنا، وكذلك قطاعَ الثقافة بعد أن أصبحت صنو الإعلام في وزارته. ولا تثريب على رجلِ فكرٍ وثقافةٍ وسياسةٍ، أن يكون له رؤاه الفكرية والمهنية، وأن يسعى لرعايتها وتوثيق عراها في بيئةِ عملٍ تسنَّم سنامها، ومُنح الثقةَ الأسمى والأعلى للقيام بواجبها الوطني، ولأداء حقوقها الرسمية والشعبية.. إعلام هذا الرجل - الذي أحترمه - قدّم للجمهور المحلي والإقليمي، قبل أيام قلائل، ملحمةً إبداعيةً رياضية لِعَلَم من أعلام ساحتنا الرياضية الوثّابة: (الذئب) السعودي سامي الجابر. وكانت مساحات الإعلام، وبخاصة المطبوع منه، مسخّرةً لخدمة الحدث الأبرز لعقودٍ من العمل الرياضي السعودي: اعتزال الذئب.. ولا أريد أن أجتر التاريخ القريب، فَجُل من يقرأ هذا المقال، يتذكر تماماً مجداً لم يجف - بعد - ورقُه، تَوَشّح به البطل المعتزِل سامي الجابر. وهو حقٌّ مكتسب، دون شك. التحية والتقدير فيه لكل من صنع ذاك المجد، ومن أشاد به وقدّمه للناس، وعرّف به القاصي والداني، فأصبح مجتمعنا (الرياضي) قادراً على المنافسة العالمية.. ولا تثريب - أيضاً - على من أوكلت له مهمةٌ فأتقن صنعتها، بل حقه علينا المؤازرة والمناصرة والدعاء بأن يحفظه الله ويحميه، ويحرسه ويقيه.. أعود للب إهدائي لمعالي الوزير لأخاطبه هذه المرة، ليس بصفته الرسمية القيادية فحسب، ولكن، أيضا، بعمق تاريخه الفكري، وبحجم ثراء مخزونه الثقافي، وبوزن ولائه الوطني، وهي أمور ما اجتمعت كلها في رَجل إلا وَزن الأمور بميزان العقل والحكمة والفهم والدراية. أقول لمعاليه: أمّا وقد كرّم الرياضيون صاحبهم ونجمهم الأبرز، وسخّروا لذلك إعلاماً تقودُ أنتَ قيادته، وحق لهم ذلك، فأحرى بمن هو مثلك أن يدرك أن الريادة والإبداع، كانا وراء هذا التكريم، حيث يخرج الرواد من حياض العمل الإبداعي مرفوعي الرأس، مكرمين غيرَ نادمين على الكد والجهد والعرق، فكلمةٌ طيبة من ذي عقل رشيد، تعمل عجائبها في صناعة الولاء الوظيفي والمهني (لجيل حاضر).. وتشحذ الهمم (لجيل منتظِر).

والسؤال المهم هنا: كيف يحدث (اعتزالٌ) كهذا بأذرع ووسائل الوزارة، في حين (تعزِل) الوزارة نفراً من رواد مذيعيها ومقدمي نشراتها الإخبارية، عن تقديم النشرات، وتكتفي بتكليفهم بالبرامج. دون اعتبار لتاريخ مضى، أو لشيبة خطّت برأس رجلٍ منهم كان في يوم من أيام العمل يكاد يخفيها حتى تكاثرت فأثقلت عليه إخفاءها، فبات يرمقها أن تقدمه للجمهور عقلا راجحا وجيلا رائدا.. أيها الوزير، هذا جيل أعطى، كلَّ العطاء، سنيناً كانت البسمة فيها على الشاشة جُنحَةً، وكانت الضحكة جُرماً، حتى كلّ محياهم من العبوس والاكفهرار والجدية الصارمة في تقديم نشرات الأخبار.. أتّفق، مهنياً، مع من يرى أنه من مهمات هذا الجيل أن يمنح صهوة الجواد لفرسانٍ جدد، ينهلون من معين جيل رائد، ويتشربون منهجيةَ ثوابتَ مهنيةٍ ليس لها أن تحيد..، مع ما يتعلمونه من لغة العصر، وما يتميزون به من خصائص شاشة القرن الحادي والعشرين، ومهارات المنافسة الإعلامية لعقود تلي.. ولكن الأمر، معالي الوزير، ليس إداريا هذه المرّة، بحيث تُوكِلهُ لمن هم دونك.. فيخطئون، ربما، من حيث أردت أنت أن تصيب، ويسيئون هم، من حيث أردت أنت أن تُصلح.. ريادةُ مذيعينا (الكبار) بتاريخهم، وامتدادهم المهني، ريادةٌ ينبغي أن تُعتبر.. وحضورهم الجماهيري أمر لم يعد للوسيلة حق ملكيته منفردة، وشأن (تدوير) مهماتهم شأنٌ استراتيجي للإعلام السعودي، لا يخفى عليك أمره، لكنه يحتاج رؤيتك وفكرك وقياديتك، قبل أن تلوكه أقلام مديرين حولك.. لقد قلّبتُ تجارب كثير من قنوات التلفزيون المعتبرة في صناعة الإعلام عالميا، فلم أجد من يهون عليه الامتداد الجماهيري لطاقمه من المذيعين والمذيعات بحيث يسهل فصل الجمهور عن عدد من المذيعين فجأة، ودون تدرّج مقبول، بل إن دراسات الولاء للوسيلة Media Loyalty، تربط نفسياً وعاطفياً بين المرسِل والمستقبِل، ربطا تتداخل معه جميع قيم العمل الإخباري وعناصره. ولأن تجربتنا الإعلامية - كما يبدو - لم تُعِر هذه الأسس المهنية بالاً بالقدر الذي تستحقه، فَقَدَ كثير منّا (ولاءهم الوسائلي) باختفاء فُجائي لمن كُنّا معهم وكانوا معنا عقوداً من الزمن: سبأ باهبري، حامد الغامدي، د. محمد العوين، فهد الحمود، سعد العتيبي.. وبالمنهجية ذاتها، أتَذكّر الخروج (الهادئ جدا) وأحيانا (غير المعتبر) لرواد نشرات الأخبار من أمثال: غالب كامل، محمد الرشيد، ماجد الشبل، جميل سمان، وعوني كنانه - رحمه الله تعالى - كلها أسماء خرجت منذ ردح من الزمن.. أعلم أن هذه سُنة الحياة، لكن هذه السُّنة لم تجر، ربما، بالقدر ذاته، على حافظ جمعة - رحمه الله - يوم ودّع جمهوره، فتذكّره أهله وذووه من دائرة الإعلام، وأشادوا بسيرته، ولو بقدر، في الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع. لعل (الذائقة الرياضية) ذاتها المتقدمة عندنا في إعلامنا المتخصص، التي كرّمت (سامي الجابر) اليوم، كانت تكرّم حافظ جمعة بالأمس، وتودع رائداً من رواد التعليق الرياضي، بحيث لو لم يكن (معلقاً رياضياً)، فلربما ذهب كما ذهب ويذهب زملاؤه في حجرة الأخبار المجاورة.

أيها الوزير، إن كان (تدوير المهمات)، أمراً من شأن القيادة والوزارة فأنتم أدرى به، وإن كان حدثا مهنيا تخصصيا ففيه قولان: قولٌ يذهب مع ما ذهبتم إليه، ولكن ليس بالفجائية ذاتها، بل وفق تدرج منطقي مدروس. وآخر يقول ببقاء رواد العمل الإخباري حيث بهم تكتسب القناة عوائد الامتداد الرأسي في كسب ولاء الجمهور، في زمن عزّ فيه الولاء مع تعدد القنوات وتنوعها. والخلاصة، معالي الوزير: أما وقد أجريتم ما أجريتم، فلا أقل من أن تُلَطِّفوا معضلة (الثقافة الشفوية) في إدارة عملية إبلاغهم بقرار العزل، وأن تُعِد الوزارة حدثا غير تقليدي لتكريم روادها الذين ترجّلوا ورحلوا عن مجمّع الوزارة، وهؤلاء الذين يتم تدوير مهماتهم ويتم الطلب إليهم أن يبدأوا - من جديد - في تكوين قاعدة جماهيرية برامجية.. قد تكون من بين جمهور البرامج الحوارية أو الوثائقية وربما المنوّعة..، وأن يتناسوا جمهورهم المغرم بمتابعة نشرات الأخبار من الساسة والأعيان والمثقفين والمهتمين يالشؤون العامة.. لِمَ لا يحق لهم التكريم؟ فإن كان غيرهم (ذئاب) في ساحة الملعب، فرجالك (أسود) في غابة الإعلام العربي.. وإن كان غيرهم قد بنى مجدا مهماً (بقدميه)، فإن رجالك قد بنو مجدا تليداً بعقولهم وأفكارهم، وإن كان الإعلام الرياضي قد تقدّم عندنا كثيرا حتى أتى على احترام وتكريم رواد الرياضة، فأنت أهلٌ لأن تكرِّم ذويك وخاصتك، وأن تحملهم محامل الشكر والعرفان، فجمهورهم - ربما - أكثر امتدادا، وأعمق فكرا، وأدعى أن يصان ويبجّل.. لأن عامة جمهور الذئب من (الشباب)، بيد أن عامةَ جمهورِ رجالك مقدّمي النشرات التلفزيونية والإذاعية، من النخب السياسية والفكرية والمجتمعية، وفي كلًّ خير.

أما، لو ذهبتُ ألتمس عذرا لما جرى.. فكثير من أدبيات إعلامنا العربي، تبرر منهجياتنا غير المبررة.. فبقدر ما نجح العرب في تطوير ورعاية (الإعلام الرياضي) بشكل خاص، و(صناعة الرياضة) بشكل عام، أخفقوا في ما عدا ذلك من خريطة (إعلامنا المتخصص). فالإعلام السياسي، والتربوي، والصحي، والأمني، والثقافي، وغير ذلك، كلها (إعلامات) مُعابة عندنا، تنقصها الخبرة التراكمية، ويعوزها التخصص الدقيق.. حتى إنك قد ترى محرراً مبتدئا يمضي صبيحة يومه في متابعة حدث أمني مثلا، ليواصل في الظهيرة تغطية وباء صحي، ويختم يومه العملي بتقرير عن مهرجان تربوي أو محفل ثقافي. في حين أن للأحداث الرياضية عادة (محررا رياضيا) يتمتع بمستوى أكثر ملاءمة في تخصصه. من هنا.. خبت ذائقة الإبداع عندنا، ومعها ربما - بغير قصد - ضاع الحس الواعي (لتكريم المبدعين) و(الرواد) في مجالات عدّة، ليست الرياضة من بينها.

ما أجمل أن يحتفي الناسُ بالناس.. وأن يصون الكبارُ قدرا ومقاما، الكبارَ عندهم تاريخا وعطاء.. وما أروع أن نقول لمن أحسن يوما ما.. أحسنت.. ولمن قضت إرادتنا لهم الترجّل عن صهوات جيادهم.. أن طِبتم مقاماً.. وحُمدتم سيرةً.. وأن نَرفع لهم أيادي الشكر.. وما أقل من أن يكرِّم الإعلاميون الإعلاميين من أبناء جلدتهم، ممن استحقوا التكريم شكلا ومعنى.. وما أكمل أن يقول القادةُ عندنا، للكبارِ عندهم (بذلاً) و(عطاءً).. شكراً لكم.

كان حق هذا المقال أن يُنشر قبل أشهر مضين.. لكنني خشيت أن أكون من أرباب ردود الأفعال.. فآثرت التريث والتأمل..، واليوم.. أقول: لعل ما لا يدرك كلُّه.. لا يترك جُلُّه.



alhumoodmail@yahoo.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7318 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد