Al Jazirah NewsPaper Tuesday  05/02/2008 G Issue 12913
الثلاثاء 28 محرم 1429   العدد  12913
بين الضرورة والتوقعات مؤتمر حركة (فتح) السادس
عبد الرحيم محمود جاموس

لم تعقد حركة (فتح) منذ تأسيسها إلى اليوم سوى خمس مؤتمرات عامة، كان آخرها في أغسطس 1989م والذي تواكب مع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى، واستخلص هدف الانتفاضة ووفر لها الشروط الموضوعية لاستمرارها واضعاً البرنامج السياسي المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية هدفاً إستراتيجياً لها والمتمثل في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف والتوصل إلى حل يؤدي إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين وفق قرار الجمعية العامة رقم 194 لسنة 1948م.

ومنذ ذلك الحين إلى الآن لم تعقد حركة (فتح) مؤتمرها السادس علماً أن النظام الداخلي للحركة ينص على عقد المؤتمر مرة كل خمس سنوات، بل مرّت هذه السنون الطويلة بما حملت من متغيرات داخلية وخارجية دون انعقاد المؤتمر، فقد غاب عدد كبير من القادة التاريخيين في هذه الفترة من أمثال صلاح خلف وهايل عبد الحميد وخالد الحسن وغيرهم وتوّج هذا الغياب باستشهاد القائد التاريخي للحركة ومؤسسها الشهيد ياسر عرفات، ودخل إلى مؤسسات الحركة وبنيانها جيلان كاملان لم يشهدا انعقاد مؤتمر عام لها، رغم تصعيد عدد منهم إلى الهياكل القيادية العليا، وحملت هذه المرحلة أيضاً متغيرات سياسية وبنيوية على جسم الحركة من جهة ومتغيرات سياسية إقليمية ودولية كان لها بالغ الأثر على مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية وعلى القضية الفلسطينية برمتها، كان من أبرزها على المستوى الخارجي تحول العالم نحو الأحادية القطبية وظهور العولمة الاقتصادية والثقافية والإعلامية والسياسية كميزة تطبع النظام الدولي المعاصر، وعلى المستوى الفلسطيني بدء عملية السلام التي تمخضت عن توقيع اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية بالإضافة إلى جملة متغيرات عديدة لا مجال للتعرض إليها في هذه المقالة.

ولكن قد يتساءل البعض كيف لهذه الحركة العملاقة (فتح) أن تسير كل هذه السنوات وتمر عبر كل هذه المحطات والتحولات والتغيرات التي شهدتها المنطقة والعالم والقضية الفلسطينية ذاتها دون أن تعقد ولو مؤتمراً عاماً واحداً.

قد تأتي الإجابة السريعة على هذا التساؤل الكبير أن الحركة قطعت هذه المسافة الزمنية بكل محطاتها واستحقاقاتها وبكل إنجازاتها وإخفاقاتها بقوة الدفع الذاتي الذي وفر لها الزخم الشعبي المساند لها وشبكة تحالفاتها وفي مقدمتها الدعم العربي الشعبي والرسمي على السواء والتحول الذي أحدثه نضال الشعب الفلسطيني في الرأي العام الدولي وقد ترجم إلى قرارات دولية تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية.

ولئن كان البعض في حركة (فتح) يعزو غياب أو تأخر انعقاد المؤتمر العام السادس إلى هذه الأزمات الداخلية أو الخارجية للحركة وللقضية الفلسطينية معاً، يبدو للمتابع والمراقب للشأن الفلسطيني اليوم أن هذه الأزمات نفسها على اختلاف أصنافها والتي استفحلت أكثر من أي وقت مضى على مستوى حركة (فتح) وعلى مستوى القضية برمتها شكّلت السبب الرئيس والدافع الأكبر للحراك الذي تشهده الآن حركة (فتح) من أجل استنهاض الحركة وإعادة تفعيل مؤسساتها وبنيتها كي تكون قادرة على تحمل المسؤولية التي اضطلعت بها تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته على مدى العقود الماضية، لذا أصبح انعقاد المؤتمر العام السادس لحركة (فتح) اليوم ضرورة قصوى حيث لم تعد قوة الدفع الذاتي ولا الكاريزما القيادية المفتقدة قادرة على توفير نفس الشروط السابقة لاضطلاع الحركة بمسؤولياتها، فبعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات وتجربة السلطة الوطنية بعشر سنوات منيت حركة (فتح) بهزيمتين مدويتين الأولى سياسية والثانية عسكرية توجبان التوقف عندهما ملياً لاستنباط الدروس والعِبر ومعالجة الأخطاء والخطايا وإعادة النظر في البرامج وآليات تنفيذها، وإعادة صياغة الهياكل القيادية والمؤسسات والبنيات الحركية بما يتوافق والمستجدات والمتغيرات سواء الداخلية للحركة أو للقضية الفلسطينية والتغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية بكل أبعادها.

وإذا كانت الضرورة الحركية والفلسطينية تحتم انعقاد المؤتمر السادس لحركة (فتح) فإن هذه الضرورة تحتم أيضاً طرح عدد كبير من الأسئلة التي يجب على حركة (فتح) مجتمعة أن تجيب عليها من بينها مثالاً لا حصراً، لماذا ينعقد مؤتمر حركة (فتح) الآن؟!!

وإذا كُتب لهذا المؤتمر أن ينعقد ما هو المطلوب منه؟!! ومن أجل أن يحقق المطلوب منه ماذا يجب أن تكون طبيعته وماهيته وكيفية انعقاده في ظل تكالب جملة من الظروف المعيقة داخلية وخارجية والتي حال الكثير منها دون انعقاده في الفترة الماضية ولو لمرة واحدة؟!!! ويبقى سؤال في غاية الأهمية، إذا تم التغلب على جميع الصعاب وعقد المؤتمر العام للحركة ما المأمول منه، وما المتوقع أن يتمخض عنه من ناحية القرارات والبرنامج العام للحركة التي لا تقتصر على الجغرافيا الفلسطينية بل تمتد حيث يمتد الوجود الفلسطيني، وكذلك على مستوى إعادة صياغة الهياكل القيادية للحركة بما يتناسب والامتداد الجغرافي لها من جهة وعمرها الزمني الذي يقترب من إكمال خمسة عقود شملت أجيالاً عدة ساهمت في العملية النضالية التي قادتها وتقودها حركة (فتح)؟!!

ليس من اختصاص هذه المقالة أن تقدم الإجابات القطعية على ما تضمنته من تساؤلات وغيره لم ترد فيها بل تتوجه بهذه التساؤلات إلى الإخوة أولاً في اللجنة التحضيرية العليا للمؤتمر وإلى كافة القيادات الحركية وجميع أعضاء الحركة سواء ممن سيكونون مشاركين في المؤتمر أو متابعين أو مراقبين أو مهتمين بشأن حركة (فتح) بشكل خاص وبالشأن والهمِّ الفلسطيني الوطني بشكل عام، وذلك من أجل الوصول إلى الأهداف المتوخاة والمتوقعة من حركة (فتح) ومؤتمرها العتيد، أولاً وقبل كل شيء هو تحقيق وحدة حركة (فتح) وحدة القيادة والتنظيم ووحدة الهدف والأداة بعد إجراء عملية مكاشفة ونقد وتقويم لكامل المرحلة الماضية بإنجازاتها وإخفاقاتها ومحاسبة المقصرين من أعلى الهرم إلى قاعدته، لأنه من الصعب أن نتخيل أن يكون فردٌ بعينه مسؤولاً عن الإنجاز أو النجاح أو مسؤولاً عن الفشل أو التقصير حتى تعود الوحدة والفاعلية لحركة (فتح) على أسس بعيدة عن الارتجال وبعيدة عما أوصلها إلى ما آلت إليه، ولذلك ما لوحظ في الآونة الأخيرة خصوصاً مع تسارع الحراك الحركي نحو عقد المؤتمر من مناكفات بين هذا العنصر والآخر أو بين هذا القائد والآخر وقد أخذ شكل تصريحات لا تخلو من التجريح والردح مستخدمين الوسائل الإعلامية، هذا لا يُعتبر نقداً أو تقويماً وإنما ردح يعمق الأزمات الداخلية التي عصفت وما زالت تعصف بحركة (فتح)، المطلوب وقف مثل هذه المناكفات والحفاظ على وحدة الحركة والتوجه نحو إجراء عملية نقدية تقويمية تاريخية تعيد للحركة بناءها السليم وتصحح المسار كي تتمكن الحركة من مواصلة قيادة العمل الوطني وصولاً إلى تحقيق الهدف، وهذا لن يتم بدفن الرأس في الرمال وإنما بالمكاشفة والمحاسبة الداخلية وضمن الأطر وفي المؤتمر الذي لا بد أن يكون سيد نفسه وأن يخلِّص الحركة من جميع ما مثَّل خللاً أو مرضاً خلال مسيرتها الماضية، وعدم إتاحة الفرصة لتكرار نفسه أو أن ينتقل مع الحركة عبر مؤتمرها المزمع عقده، وإلا ستكون الطامة والكارثة الكبرى على حركة (فتح) وعلى قضيتها الوطنية، وبهذا تفسح المجال للمتربصين بها والطامعين والواهمين بوراثة الحركة والإحلال محلها ومن بعد ذلك قد تجرّ القضية الفلسطينية إلى مزالق أو صحاري التيه والضياع والنسيان من جديد (لا قدر الله).

فليكن شعار مؤتمر (فتح) المزمع عقده أولاً: المكاشفة والمحاسبة، والنقد والتقويم.. وثانياً: تحقيق الوحدة والتفعيل والتجديد لحركة (فتح).

مدير عام مكاتب اللجنة الشعبية الفلسطينية


e-mail:pcommety@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد