Al Jazirah NewsPaper Tuesday  05/02/2008 G Issue 12913
الثلاثاء 28 محرم 1429   العدد  12913
قرارات الإسكان.. مدير المشروع بدلاً من وزارة الشؤون الاجتماعية
فضل بن سعد البوعينين

استحوذت قرارات مجلس الوزراء الموجهة لمكافحة التضخم وغلاء المعيشة التي أُعلن عنها الأسبوع الماضي على اهتمام المواطنين، وسيطرت على تعليقات كتاب الزوايا وافتتاحيات الصحف. وجِّهت القرارات السبعة عشر نحو معالجة أخطر قضايا الوطن الاقتصادية، وأكثرها تعقيداً بعد دراسة مستفيضة نتج عنها حزمة من التوصيات الشاملة التي يُرجى أن تكون سبباً مباشراً في السيطرة على التضخم، ومحاصرة الغلاء، والتخفيف من أعباء المواطنين.

جاء قرار إضافة بدل غلاء المعيشة إلى رواتب موظفي ومستخدمي ومتقاعدي الدولة بنسبة (5 بالمائة) ليحتل جُل اهتمام المواطنين، فالزيادة هي الأهم بالنسبة لهم، وحق لهم ذلك بعد موجة الغلاء الطاحنة، إلا أن المختصين، وبعض وسائل الإعلام ركزت كثيراً على القرارات الرئيسة الأخرى التي تقدمت في الأهمية على قرار (بدل الغلاء). للأسف الشديد كان هناك لغط كبير حيال تحديد نسبة (بدل الغلاء) وهذا مرده بعض المسؤولين الذين يحجمون عن تفسير قرارات مجلس الوزراء حال صدورها. يفترض أن يقوم الوزراء بعقد مؤتمر صحفي لتوضيح القرارات المهمة لمجلس الوزراء حال صدورها، فهم أكثر معرفة بها من الآخرين. بعض القرارات الحكومية المهمة تُقابل بردة فعل عكسية من المواطنين، أو على الأقل لا تجد احتفاءً مناسباً بسبب عدم وضوح معانيها لغالبية المتلقين، وهو ما يستوجب التعامل معها بحرفية حين صدورها من قبل الوزراء، المختصين، ورجال الإعلام لضمان وصول الرسالة دون تشويش أو تحريف.

الإسكان الشعبي

أعود إلى قرارات مجلس الوزراء السبعة عشر التي أعتقد أنها أتت متكاملة لمعالجة مشكلة الغلاء. شمولية القرارات لا تسمح بإعطاء الأفضلية لأي منها، وإن كنت أعتقد أن قرار المسارعة في بناء الإسكان الشعبي مع استمرار اعتماد مبالغ إضافية في السنوات القادمة، وتفعيل الهيئة العامة للإسكان، وإصدار نظام الرهن العقاري ربما استحقت منّا احتفاءً خاصاً لتعاملها المباشر مع (حاجة السكن) الملحة لدى كافة شرائح المجتمع.

الشريحة الأولى هم الفقراء والمساكين الذين لا مأوى لهم. يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وكثير منهم يعيشون في مساكن غير لائقة، وهم المستفيدون من القرار الخاص بالإسكان الشعبي. هذه الشريحة حازت على اهتمام الملك عبد الله بن عبد العزيز الشخصي الذي أعلن رسمياً عن وجودها بعد زيارته المشهودة لهم في منازلهم الشعبية حين كان ولياً للعهد، وعلى اهتمام ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز. منذ ذلك التاريخ بدءاً، حفظهما الله، في تخصيص ميزانيات ضخمة لتوفير حاجات الفقراء الضرورية وعلى رأسها السكن الكريم.

لم تنجح وزارة الشؤون الاجتماعية في التعامل السريع مع ميزانية الـ 10 مليارات ريال التي خصصت لمشروعات الإسكان الخيري، كما أنها لم تنجح من قبل في حل مشاكلهم الإيوائية، ولمعيشية. بقيت المليارات في المصارف، وعاش الفقراء يحدوهم أمل الحصول على بيت العمر الذي أمر ببنائه ولي الأمر. أرجعت الوزارة أسباب تأخر تنفيذ مشروعات الإسكان الخيري إلى (طغيان الجانب الربحي الكبير لدى المتنافسين عند تقديمهم للعروض، فضلاً عن المشكلات الفنية والتقنية التي تواجه قطاع المقاولات)، وهي أسباب لا يمكن القبول بها البتة. البيروقراطية الإدارية وعدم التفاعل مع أوضاع المحتاجين الملحة، وغياب الفكر الخيري الإبداعي هو ما يقود عادة إلى تعطيل المشروعات الخيرية وتعقيد آلية تنفيذها.

لماذا ينجح المستثمرون في بناء المجمعات السكنية في مدة زمنية قصيرة لا تتجاوز السنتين، وبتكلفة منخفضة في وقت تتعثر فيه مشروعات خيرية يفترض أن تكون لها أولوية التنفيذ، ومحدودية التكلفة!!. السبب هو أسلوب الإدارة، ونوعية العلاقة التي تربط المستثمر بالمشروع. أسلوب الإدارة الحديثة يمكن أن يحدد تكلفة المشروع وفق الأسعار السائدة، الربح المتوقع، ومدة التنفيذ بمعزل عن عروض المتنافسين؛ في الوقت الذي تفرض فيه علاقة المستثمر بالمشروع، وهي علاقة الملكية، ملاءمة التصاميم لمتطلبات السوق، سرعة الإنجاز، وكفاءة التنفيذ. يمكن من خلال هذه المعادلة إنجاز مشروعات الإسكان الخيري في مدة زمنية قصيرة، وبتكلفة تنافسية، وفق التصاميم العصرية وأساليب البناء الحديثة.

أعتقد أن الحل الأمثل لتنفيذ مشروعات الإسكان الخيري يتلخص في تعيين مدير للمشروع يرتبط مباشرة برئاسة مجلس الوزراء، ويقوم بوضع خطة شاملة لتنفيذ المشروع وفق جدول زمني محدد. وزارة الشؤون الاجتماعية لديها من المهام الكثيرة مما يجعلها غير قادرة على تنفيذ المشروع في وقته المحدد وفق الرؤية الصحيحة. تأخر الوزارة في تنفيذ المشروع ساعد في رفع تكلفته، وربما مضاعفتها نتيجة التضخم وغلاء الأسعار، مما يعني انخفاض عدد الوحدات الممكن تنفيذها بعشرة مليارات ريال، وهو ما جعلنا نطرح فكرة إدارة المشروع المرتبطة بمجلس الوزراء لضمان سرعة التنفيذ وكفاءته.

هناك الكثير من أهل الخير والصلاح، من ذوي الخبرة والدراية، النابغين في أمور التجارة العقارية، وممن أنعم الله عليهم بالخير الوفير ما يجعلهم أكثر حرصاً على فعل الخير من جمع الأموال وتنميتها. هؤلاء هم أقرب القادرين على تولي مهمة إدارة مشروعات الإسكان الخيري وتنفيذها وفق تطلعات ولي الأمر وحاجات الفقراء والمساكين.

(مدير المشروع) هو مفتاح النجاح لمشروعات الدولة، وليس الإسكان الخيري فحسب، كما أن وضع التصاميم الحديثة، تحديد تكلفة المشروع، وربط تنفيذه بمدة زمنية محددة يمكن أن يزيد من نسب النجاح المأمول وفق تطلعات الحكومة. واستشهد هنا بتجربة شركة أرامكو الرائدة في إدارة مشروعاتها الخاصة. هي بحق علم يُفترض أن ينهل منه جميع المتعثرين في تنفيذ مشروعات البناء والتنمية.

أدركتني المساحة قبل أن أُعرج على قراري تفعيل الهيئة العامة للإسكان، والرهن العقاري.

قرار الهيئة العامة للإسكان

قرار (تفعيل الهيئة العامة للإسكان بشكل عاجل وتمكينها من مزاولة مهامها خلال هذا العام) يهم الشريحة الثانية من المواطنين الذي لا يمتلكون مساكن خاصة بهم. هذا القرار يعطي قضية الإسكان العام في المملكة أولوية المتابعة والتنفيذ لتحقيق أهداف الأسرة التنموية التي حال دون تنفيذها تضخم أسعار العقارات وتكلفة البناء. تحمل الدولة إستراتيجية توفير الإسكان العام وتهيئة الظروف المناسبة لإعانة الأسر على تحقيق آمالها يمكن أن يكون أحد القرارات المفصلية المؤثرة في حياة المواطنين. ولعل الهيئة العامة للإسكان تبدأ في تطوير نظام البنك العقاري وتحويله إلى تقديم المنازل الجاهزة للمواطنين بدلا من تقديم القروض المالية التي لم تعد تكفي لبناء منزل صغير، وتعيد تنظيم توزيع الأراضي السكنية، وتحديد الأحياء التنموية وربطها بحاجة المواطنين للسكن، وأمور أخرى كثيرة لا يمكن حصرها.

قرار الرهن العقاري

قرار الرهن العقاري يهم جميع شرائح المجتمع دون استثناء، وهو بحسب ظني، أحد أهم القرارات التنموية التي عجل مجلس الوزراء الموقر بتنفيذها. قرار الرهن ظل لسنوات طويلة في أروقة الوزارات ذات العلاقة، وأوشك على الضياع في غياهبها لولا إحيائه ووضعه موضع التنفيذ من خلال قرارات مجلس الوزراء المباركة. الرهن العقاري سيساعد في فتح قنوات أخرى للتمويل والتطوير، وسيخفف العبء على صندوق التنمية وسيساعد المستثمرين في استثمار أراضيهم البور التي لا يمتلكون تكلفة بنائها. ولتوضيح الصورة، فإن ثورة العمران في العاصمة الإماراتية أبوظبي قامت على نظام الرهن العقاري، والمزج بين تمويل الحكومة للقروض العقارية، وتمويل القطاع المصرفي من خلال الرهن العقاري. الرهن يمكن أن يحول دفعات الإيجار الشهرية التي يتحملها المواطنون إلى أقساط لتملك الشقة أو المنزل الذي يقطنه.

عوداً على بدء، لا يمكن الفصل بين حزمة قرارات مجلس الوزراء المباركة، كما أنه من الصعب تفضيل إحداها على الأخرى، إلا أن حاجة الفقراء الملحة للإسكان الخيري، وحاجة المواطنين للإسكان العام، والرهن العقاري الذي يحقق رغبات المواطنين في بناء منازلهم الخاصة أو استثمار أراضيهم البور جعلتنا نركز على قرارات الإسكان بوجه الخصوص. ونكمل قريباً بإذن الله.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7741» ثم أرسلها إلى الكود 82244



f. albuainain@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد