Al Jazirah NewsPaper Sunday  17/02/2008 G Issue 12925
الأحد 10 صفر 1429   العدد  12925
فقه الحقوق 1-2
د. سلمان بن فهد العودة

فقه الحقوق، وباب الحقوق جملة من ضروريات الشريعة وضروريات الحياة، ويصح أن يقال: إن الشريعة كلها جاءت لضبط الحقوق ورعايتها، وقد بدأت الوصية بها في أول سورة ( اقْرَأْ)، التي أرست حق العبادة والإيمان، قال الله جل وعلا: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى} (العلق: 9 و10)،.....

..... وانتهت بها في خطبة الوداع في وصية النبي صلى الله عليه وسليم بالنساء، والأموال، والدماء، وغير ذلك.

ومن العيب الظن بأن باب الحقوق منتج غربي، وخصوصية أوربية، بل هي بضاعتنا ردت إلينا، ونحن أحق بها وأهلها.

وفي باب الموازنات يقع التنازع بين الحقوق والواجبات، فمن عادة الإنسان أن يطالب بحقه، وينسى واجبه، ويعتني بالخطأ الواقع عليه، ولا يعتني بالخطأ الواقع منه، و(يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه). أخرجه البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح عن عمرو بن العاص (1-338). وابن حبان عن أبي هريرة (13-73) وصححه.

ومن ذلك:

- حقوق الزوجين وواجباتهما.

- وحقوق الآباء والأبناء وواجباتهم.

- وحقوق الجيران.

- وحقوق الموظف والمسؤول.

- وحقوق الحاكم والمحكوم.

وقد قضت السنة الإلهية أنها مترابطة، فمن أراد الحصول على حقه فليؤدِّ للناس حقوقهم، ومن أخلَّ بحقوق الآخرين، من زوج أو ولد أو جار أو موظف أو مواطن فعليه أن ينتظر مقابل ذلك تفريطاً من قِبَلهم في حقه.

وثمت توازن آخر لطيف هنا، وهو أن الشريعة جاءت مطالبة بأداء حق الآخر، ولو قَصَّرَ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ)، ولكن هذا يُفهم على ضوء سنة الله في الحياة أن حدوث الخلل من جهة لا يُسوّغ تعاطي الناس مع الخلل وكأنه الأصل، أو أنه في دائرة المباح، ولو حدث هذا لاختل نظام الحياة كلها؛ لأنه لا يكاد يسلم أحد من الملامة، فغالب الأبناء يعيبون آباءهم بالتقصير تجاههم، وكذا الأزواج، والزوجات، والموظف يعيب رئيسه، والرئيس ينحي باللائمة على مديره..

ويختلط هنا الحق بالباطل، ولو فتح للناس باب التفريط بالحقوق بدعوى أنه لم يحصل على حقوقه لانفرط نظام المجتمع.

ويمكن في حالات الإطباق العام على حدوث خلل ما أن يوافق الناس على المطالبة بالحقوق وفق الأنظمة المرعية التي تسمح بحرية التعبير والتحالف ضمن مؤسسات وروابط وصيغ اجتماعية رعاها الغرب، وأفلح في تحقيق التوازن الحقوقي من خلالها.

ومن الموازنة في الحقوق الاعتدال في حق الدعوة وحق الأخوة، فإن أكثر الناس يطففون في الميزان، ويبالغون في النقد والعيب والعتب على غيرهم، في مسائل اجتهادية أو خلافية أو فرعية، أو في أمور ثابتة، ولكنها في دائرة المستحب والمسنون، فيقطعون بسببها الأرحام، ويهجرون الأحبة، ويتبرؤون من حقوق الأخوة والولاء، وهم إن كانوا ينتصرون لِسُّنة فقد أطاحوا بواجب، وإن كانوا يغضبون لشريعة فقد أتوا بما هو أشنع مما انتقدوه واستنكروه، ووحدة الصف مطلب، وإن اختلف الرأي، ومسائل الإجماع أولى بالرعاية والاهتمام، وقد أجمع الأئمة جملة على حق الإخاء الإسلامي، وأنه يمنح للمسلم بقدر إيمانه واستمساكه، على أن المسألة المتنازع عليها قد يكون الصواب فيها مع المخالف، وإنما التعصب والهوى والإلف والجهل هو الذي يحمل على المصارمة والمصادمة في مثل هذا.

ومن مفردات هذا اللون الحفاظ على حق الإسلام، وتجنب التكفير أو ما هو دونه، كالتفسيق والتبديع بغير حجة، أو من باب المعاملة بالمثل، كما يقول بعضهم: لا أكفر إلا من كفرني!!

وقد وقع الخوارج في تكفير الصحابة، ومع ذلك لم يُكفرهم العلماء، وسُئِلَ عنهم عَلِي رضي الله عَنْهُ (أَمُشْرِكُونَ هُمْ؟ قَالَ: مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا. قِيلَ: أَمُنَافِقُونَ هُمْ ؟ قَالَ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً، وهؤلاء يذكرون الله بكرة وعشياً، قِيلَ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا).

فحفظ لهم حقوقهم كأفراد من المسلمين في الغنيمة والفيء والصلات، وسائر الحقوق المدنية ما لم يخيفوا السبيل، أو يسفكوا الدم الحرام.

يقول ابن تيمية: وليس لأحدٍ أن يُكفِّرَ أحداً من المسلمين، وإنْ أخطأ وغلط؛ حتى تُقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك.

ومن مفرداته أيضاً التوازن بين حق المجتمع والحفاظ على هدوئه، وسكينته واطمئنانه، وبين حق البحث والتجديد والإبداع الذي لا ينمو ولا يثمر إلا في مناخ حرٍ يسمح بالاختلاف.

وقد يصادر المجتمع حقوق أفراده، ويفرض عليهم أن يكونوا إمعات تردد ما يريد، ودون أن يكون لهم الحق في البحث والتحليل والنظر، ويعدّ أي مراجعة أو تحقيق نوعاً من الوسواس الخناس، أو ذريعة للانشقاق، أو شبهات تشوش الأذهان، حتى يصل الأمر ببعض المجتمعات أن تعتبر قراءة القرآن والسنة هي لمجرد البركة، ولا يحق للأفراد الفهم أو الاستنباط!

وكأن كل مسألة قد عُرف جوابها، وحرز صوابها، وتم بحثها، فما على الخالف إلا أن يتبع أثر السالف، ويتلقن جوابه، ويردده بإخلاص وتسليم.

وبهذا يفقد البحث العلمي تجرده وحريته، ويصبح جهداً حصيلته تكريس الأوضاع القاتمة، ويبدأ الباحث بحثه والنتائج متقررة في عقله، مرسومة في ذهنه، مفروغ منها عنده.

وكل ما يخالف هذه القناعات فهي أدلة مدفوعة، بل شبهات موضوعة، وظنون وتخرصات، وخيالات وتوهمات.



salman@islamtoday.net
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6847 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد