Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/02/2008 G Issue 12931
السبت 16 صفر 1429   العدد  12931
يارا
عبد الله بن بخيت

المسافة الزمنية بين احتلال الصليبيين للقدس وبين تحريرها على يد صلاح الدين لا تتعدى عشرين دقيقة. يقرأ الداعية على عدد من الشباب المتحمس الصفحة الأولى المحزنة من كتابي بين يديه يخبرهم فيه مؤلفه أن الصليبين دخلوا بيت المقدس بعد أن وهنت شوكة المسلمين وتشتت شملهم وذهبت ريحهم ويقرأ قليلاً من المآسي التي أحدثها الصليبيون ثم فجأة يقفز إلى الصفحة التالية لنرى صلاح الدين يمتشق سيفه البتار ويهجم على هؤلاء الكفار ويُعمِل فيهم القتل ويحرر القدس ويعيد لأهل الإسلام كرامتهم وعظمتهم وعزتهم وقبل أن يختم الداعية كلامه يعرج على الشيشان وأفغانستان والصومال وفلسطين.

عشرون دقيقة من الصراخ الفتاك والإنصات المذعن يخرج بعده الشباب متفوخين بكل الكراهية لزمانهم والمنطق الذي يعيشون فيه وللكتاب وللعلمانيين والحداثيين والليبراليين وكل من يعيش خارج أوراق التاريخ.

يتجاهل الداعية، أن ما قرأه على هؤلاء الفتية في عشرين دقيقة جرى على مدى مائتي سنة من الزمان. فترة نسي الناس فيها الغزو الصليبي وقامت ممالك وتعامل المسلمون مع الصليبيين ونهضت دول وانهارت أخرى وظهر حكام واختفوا ومات ملايين المسلمين وملايين الكفار وولد مثلهم وتغيّرت موازين القوى عشرات المرات إلى أن جاء صلاح الدين في الأخير وقطف ثمرة تفاعلات الأزمنة لتتحرر القدس باسمه. لا يقول لهم الداعية إن ما حرره صلاح الدين لم يكن عمل صلاح الدين وحده وإنما كان ثمرة تغيّرات مستمرة مرّ بها المسلمون والصليبيون على حد سواء. لم يقل لهم إن صلاح الدين وقّع كثيراً من أوراق الصلح مع الكفار وأقام معهم علاقات من كل نوع. لم يقل لهم إن عدداً من زعماء المسلمين في المائتي سنة تلك تعاملوا وتفاوضوا وتحالفوا مع الصليبيين. وأنه في الوقت الذي كان المسلمون يتطورون كان الصليبيون يتطورون هم أيضاً ولكن في اتجاه آخر. فالأمر ليس كما يقرأه الداعية على الشباب أن الصليبيين دخلوا القدس في الصباح وخرج عليهم صلاح الدين في المساء ليفجرهم بحزامه الناسف. ليس في ساعات وليس في أيام وليس في سنين بل على مدى قرنين من الزمان نسي فيها كثير من الناس أن القدس أصلاً محتلة.

لا يقول لهم إن القفز على التاريخ لا يجلب سوى الدمار. لا يذكرهم بصدام حسين الذي راح هو وبلاده ضحية هذا الفكر . عندما قرر أن يقفز على سياق التاريخ تطوّح في الفراغ وانتهى ذليلاً في مشنقة يتشفى منه أحقر أعداؤه وأن بلاده أصبحت مسرحاً للخراب وملاعب للأفاقين وتجار الموت. لا يقول لهم هذا، فالزمن بالنسبة له ولهم غير موجود. جميعهم يعيشون عالة على الأوراق الصفراء. يصنعون من غبارها ما شاء لهم خيالهم من أوهام وبطولات وأحلام يقظة. يكاد صلاح الدين يخرج عليهم من حنجرة الداعية الزاعق أو من تحت عباءته. يسمعون صوته الأجش الرجولي يناديهم. من العار تجاهل النداء العظيم. أصداء صوته تتجاوب في غروزني وكابل ومقديشو. صلاح الدين هناك. هكذا علمهم الداعية وهكذا قالت أوراقه الصفراء التي لا تكذب.

فاكس: 4702164


yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد