Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/02/2008 G Issue 12931
السبت 16 صفر 1429   العدد  12931
عندما يصرخ الرعاع

استقلت كوسوفو وجاء استقلالها نتيجة إرهاصات سياسية وتاريخية متعددة النواحي والكينونات، في ظل أيضاً كينونة وكيفية دولية معينة يمكن اختصارها بالأحادية القطبية الحالية, وزيادة طموحات الاستقلال لدى الفئات والمركبات الاجتماعية المتململة من أوضاعها داخل بعض الدول ذات الثقافة والنسق الاجتماعي والسياسي المسيطر والمتوحد الذي لا يقبل بخيارات وقناعات التقاسم والاشتراك في السيطرة, وغير ذلك الكثير من المعطيات التي يمكن طرحها وتشريحها لتحليل الحالة الكوسوفية في الاستقلال وما قبله من إرهاصات الماضي واستشرافات المستقبل، إلا أن ما يعنينا هو ما حدث من ردة فعل (يمكن تسميتها بالغضبة الشوارعية) وما أتبعها من هجوم على السفارة الأمريكية وإضرام النار فيها من قِبل بعض المواطنين الصرب الغاضبين على استقلال كوسوفو والممتعضين من الدور الأمريكي في ذلك.

ما حدث في حرم السفارة الأمريكية يجعلنا أمام فكرة وخطورة تَسَيُّسِ الشارع المنقاد خلف عواطفه الجمعية الجياشة التي دائماً ما تكون بمثابة الوحش الساكن الذي لا يجب استثارته أو إعطاؤه القدر الكبير من الثقة خصوصاً حين يتعلق الأمر بالقومية والوطنية والطائفية والولاء وغيرها من ثوابت الإرث الانطباعي التي هي من الكفاية بمكان لإطلاق العنان لفوضويي الشوارع وصعاليك القشور الفكرية من القومية والوطنية والمذهبية.

لسنا هنا في مقام الدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية، ولكننا نجنح إلى تلمس رزمة من المفاهيم والتجريدات الحيادية في هذا الأمر، التي أولها: إن اقتحام السفارات والقنصليات والممثليات في الخارج أمر لا تقره المعاهدات والاتفاقيات الدولية بالإضافة إلى ما فيه من عدم رقي في التصرف الإنساني والخلقي لما لمثل هذه الأماكن من حرمة وضعية اتفقت عليها مُسَلَّمَاتُ الفكر الدبلوماسي التبادلي بين الوحدات الدولية, أما الأمر الآخر وهو الأهم والأخطر أن ما حدث كان يشكل صورة منقولة عن تصرفات ديماغوجيا السياسة العاطفية، فالشارع المُسيَّس عندما تنطلق أقدام مريديه الثقيلة على أرض الواقع، فإنها لا تحسب الحساب لعواقب الأمور ولا يكون همها إلا بتحقيق الثأرات وإشباع غريزة الانتقام الحالية حتى لو كان ذلك ضد المصالح العليا للوطن وأمنه واستقراره على مستوى الأمد الطويل.

يظل الشارعُ المُسَيَّسُ بما يحتويه من قناعات الرعاع والدهماء والمنقادة، من أهم الإشكاليات والمنغصات في استقرار الدول، حتى وإنْ جاء ذلك تحت شعار الحرص الوطني ومغلفاً بلفيفٍ شفافٍ من أيديولوجيات الوطنية والولاء والقومية وغيرها من أفكار ومفاهيم المنقادة التي تترجم على أرض الواقع بالصراخ الشوارعي الذي طالما كان سبباً في تسخين الأحداث وقيادة مساراتها إلى أتون الاضطرابات وحِياض الموت وإنْ انطلقت من أبواب الأفكار الرومانسية والعاطفية، والأمثلة على ذلك كثيرة ففي كينيا تحول الخلاف السياسي إلى الحوار بالسواطير، وفي كوسوفو بإحراق السفارات، وفي لبنان بالإضراب عن الحياة، وغيرها الكثير الكثير من تصرفات المنقادة خلف العاطفة، وضجيج الشارع الديماغوجي، وصداع صراخ الرعاع.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244






 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد