Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/02/2008 G Issue 12931
السبت 16 صفر 1429   العدد  12931
النخب الثقافية والسياسية.. إلى أين؟
عبدالعزيز السماري

وصل العرب في هذا العصر إلى أدنى مراتبهم في التاريخ منذ داحس والغبراء.. لم تكن حدودنا العربية والإسلامية في وضع أسوأ أو في مأزق سياسي وعسكري كهذا العصر الذي

يمر فيه العرب...هذا هو رأي الشارع في العالم العربي، الكل غاضب ويائس من ضعف مواقف النخب العربية السياسية تجاه المعارك الدامية التي تجري على حدودهم..

الانقسام هو سيد الموقف على جميع المستويات.. حتى قضايانا المصيرية أصبحت في مهب الضياع، فالموقف من الوضع لم يعد يتجاوز أكثر من مفردتين.. نقاوم أم نستسلم.. الغالبية ترفض الاستسلام، وتتألم بشدة إذا شاهد أحدهم أماً فلسطينية تفقد أبناً آخر لها، أو رأى على الهواء مباشرة جرافة إسرائيلية تهدم بيتاً لعائلة في غزة.. أو سمع خبرا عن محادثات سرية بين أمريكا وإيران تتناول مستقبل العراق.. أو خطة لتقسيم السودان.. لن تتبدل مواقف الغضب من الحال العربي مهما حاولت النخب أن تدير ظهرها بعيداً عن هذه المشاهد.. فالموقف من هذه القضايا المصيرية أيها الساسة والمثقفون ليس كمثل الاختلاف بين الإسلاميين والليبراليين في قضية قيادة المرأة للسيارة، أو في سياق مخالفة الإسلاميين في جل مواقفهم.. الاجتماعية منها والسياسية، لكنها مواقف يجب تقدير مدى أهميتها الإستراتيجية من أجل حماية حدود الوطن ومستقبله وأمن واستقلال الأراضي العربية.. يظن البعض أن مواقفنا وآراءنا السياسية يجب أن تنحصر فقط داخل حدود الوطنية، وأن الدفاع عن قضايا احتلال العراق وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم والأمن العربي مواقف رجعية من بقايا أرث القومية البائدة أو من مخلفات الإرث الإسلامي السياسي، وهي مواقف حسب أراء بعض المثقفين تتعارض مع العولمة والأنسنة وغيرها من مصطلحات نظام الأمن العالمي الجديد، والتي أثبتت الأيام زيفها، وتجلى ذلك واضحاً في إعلان الرئيس الأمريكي الأخير إسرائيل وطناً لليهود...

يتعامل المحتل أو المعتدي على الأراضي العربية مع الشعوب والنخب العربية على حد سواء من خلال رؤية ضيقة جداً مهما قدمنا القرابين من أجل إرضائه، ولازلنا جميعاً نخباً وشعوباً في موضع المتهم الذي لن تثبت براءاته مهما (انبطح) أرضاً، والدليل ما بعد أحداث سبتمبر، فبسبب عمل جنوني أرتكبه نفر قليل من العرب والسعوديين أصبحنا جميعاً متهمين بالإرهاب، ويظهر ذلك بوضوح عندما يقدم أحد المواطنين طلب فيزا لدخول الولايات الأمريكية المتحدة.. رضوخ النخب وشلل مواقفهم تجاه الأحداث في المنطقة يعني قبول الاستسلام كموقف، ثم تبني مواقف المنتصر وثقافته وآراؤه السياسية كما أشار له طيب الذكر رحمه الله العلامة أبن خلدون (المغلوب عادة ما يعتقد الكمال في الغالب المنتصر)، لكن الذي يختلف نوعاً ما في واقعنا الحاضر هو التباعد المستمر في الموقف بين الرأي السياسي والثقافي وبين رأي الشارع العام، فالغالبية تتبنى موقفاً عدائياً ضد أمريكا، وإن كان صامتة، ويتضح ذلك من خلال نظرة سريعة لنتائج الاستفتاءات الجماهيرية في هذا الشأن.. التناقض يظهر في أراء بعض المثقفين إذ تجدهم في غاية الثورية تجاه قضايا المرأة ونقد التراث من أجل التحديث، لكنهم يظهرون في موقف رجعي ضعيف تماماً تجاه قضايا مصيرية لها علاقة بالأرض والأمن الإقليمي العربي والتاريخ.. وقد يصل تطرفهم لحد السخرية من أولئك الذين يقاومون من أجل أرضهم ومن أجل مبادئهم، أو من أختار أن لا يتفق مع المحتل على الاستسلام كحل أبدي للقضية.. الغازي فرض ثقافة الهزيمة على النخب الثقافية بعد تخلي أغلبهم عن فكر المقاومة منذ أفول المعسكر الشرقي.. ولعل انتصار أمريكا في معركتها الباردة ضد المعسكر الشرقي جعل منها القدر الذي لا يمكن مقاومته، وأن ما يحدث على أرض العرب من هزيمة واحتلال من قضاء واشنطن وقدرها، وليس علينا إلا مجاراة هذا القدر الأمريكي في منطقتنا العربية، فهي الواحد الذي لا يُقهر، والغالب الذي لا يٌهزم، وهي وحدها من يملك تفسير الخير والشر والحرب والسلم، وأيضاً من يحدد مستقبلنا السياسي، ويحمي حدود أراضينا، ومن يضمن اقتصادنا.. أكاد أجزم أن أكثر الزيارات هدوءاً هي تلك التي يقوم بها الرئيس الأمريكي للدول العربية، فهو ليس مضطراً أن يواجه الصحافة أو الجماهير، أو أن يتلقى الأسئلة الجريئة أو المحرجة حول ما خلفته قراراته من دمار وبؤس داخل حدود الدول العربية، بينما توجه إليه الأسئلة الصعبة داخل أمريكا وخارجها في أوروبا وأمريكا اللاتينية.. نحن في أمس الحاجة للنقد الثقافي ولمراجعة قراءاتنا للإرث الفقهي، والعمل من أجل التحديث الاجتماعي والاقتصادي والقانوني والعلمي والسياسي، لكن ما يستدعي المراجعة هي تلك المماهاة التامة بين موقف بعض النخب الثقافية والسياسية وبين مواقف الغزاة من قضايا فلسطين والعراق والسودان.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد