Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/02/2008 G Issue 12931
السبت 16 صفر 1429   العدد  12931
أما بعد
القنبلة الموقوتة
د.عبدالله بن عبدالعزيز المعيلي

سعت وزارة العمل جاهدة لضبط العمالة والتقليل من تدفقها بعد أن كشفت مؤشرات أعداد تلك العمالة في المملكة عن زيادة هائلة تفوق الحاجة الفعلية لسوق العمل، فقد قارب عددهم ثلث عدد السكان، وهذه نسبة غير مبرَّرة، لا منطق يسوغها، ولا عقل يقبلها، وهي نتاج مفاهيم مغلوطة لدى كثير من السعوديين للتكسب وتحصيل المال، وانعكاس لفوضى الإدارة وتخبطها، وعدم القدرة على الضبط والتحكم، واستقدام العمالة عبر عناوين منها: (منحة، إعانة، تحسين وضع..) وغيرها من العناوين التي أغرقت البلد في طوفان من العمالة أجهض جهود وزارة العمل وأفشلها، بعد أن عزمت على ضبط فوضى الاستقدام.

هذه العمالة تهيم على وجهها بمجرد خروجها من بوابة المطار دون رقيب أو حسيب، تجوب البلاد طولا وعرضا لاهثة وراء فرصة عمل هنا أو هناك، بمعزل عن الكفيل (الصوري) الذي لا تتعدى علاقتها به عن تنظيم الدراهم المعدودة التي تدفع له مع نهاية كل شهر، لأن العامل ليس في حاجة إلى الكفيل، فهو يستطيع أن يتدبر كل شئونه وحاجاته بمعرفته الخاصة، وبعلاقاته مع زملائه الذين تمرسوا واكتسبوا الخبرة في هذا المجال.

إن العمالة الوافدة عامة أضحت تشكل خطورة بالغة متعددة الأوجه، ففي المجال الاقتصادي بدت دلائل الخطورة ومؤشراتها واضحة في كون تلك العمالة تتحكم وبدرجة سافرة في إدارة جل المفاصل الرئيسة للحركة الاقتصادية في البلد، فبلغت سيطرة هؤلاء وجرأتهم حداً جعلهم يتقاسمون الأعمال التجارية في مجال المبيعات بينهم، فكل جنسية تتحكم في أعمال معينة، فتجارة الفاكهة، والبيض، والخضار، ومحطات البنزين، والبقالات، والمطابخ، والمغاسل، والألبان، والحديد، والمخابز، والحلويات، وتركيب الدشوش وصيانتها، وسيارات الأجرة، وغيرها من الأعمال، تم تقسيم إدارتها، والتحكم فيها بين جنسيات وافدة محددة؛ فكل جنسية تعمل في قطاع معين، تتحكم فيه إدارة وتسويقا وتشغيلا، وتمخض عن هذا إزاحة أي منافس حتى وإن كان سعوديا، لأن هذه العمالة أحكمت سيطرتها على مداخل العمل الذي استحوذت عليه وعلى منافذه، وما التحويلات المالية الهائلة التي تقدر بالمليارات شهريا خارج البلاد إلا خير شاهد على ذلك التحكم والاستئثار.

وفي مجال الأمن الاجتماعي والأخلاقي، هاهي جرائمهم تترى، بين قتل، وترويج للمخدرات، وصناعة المسكرات، وسرقة الممتلكات، وتمرير المكالمات، ونشر الفساد بنسخ الأفلام الماجنة، وفك شفرات قنوات الرذيلة والمجون، وإدارة أوكار الفساد، ولعب القمار، وغيرها من الممارسات التي أفضت إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي، وإخافة الناس.

وفي المجال الإداري، تم اختراق جل الإجراءات الإدارية الخاصة بالإقامة وتجديدها، وجوازات السفر، وغيرها من الوثائق والأختام والدفاتر والشهادات الصحية، يذكر أحد العمال أنه لم يقابل كفيله إلا مرة واحدة لترتيب كيفية تحصيل الاستحقاق الشهري للكفيل، بعد ذلك لم يره، سأله أحدهم كيف تستكمل إجراءت السفر والإقامة وتجديدهما؟، قال: كل هذا متوفر بالبطحاء، فبالإمكان استكمال المطلوب أيا كان في لمح البصر، لدى مزورين محترفين في البيوت الخربة في البطحاء، و في الأحياء المهجورة المجاورة لها.

إن تكاثر العمالة الأجنبية وانتشارها في عموم مناطق المملكة وقراها، ينذر بمخاطر جمى بدت ظواهرها ومظاهرها للعيان، والمؤسف أن إرادة ضبط هذه العمالة والحد منها تراجعت واستسلمت للواقع الذي مازال يستقدم العمالة بالتحايل والخداع، عن طريق النوافذ، ومن تحت الأبواب، وبأعداد شرهة وبطرق غير نظامية، تحت مسميات صورية وهمية عجيبة غريبة.

إن أمن المجتمع واستقراره يوجبان على الجهات المختصة، وقفة جادة تتصدى لكل أوجه التلاعب والفوضى التي أغرقت البلاد في بحور من العمالة السائبة، وخاصة تلك التي احترفت وبدرجة عالية من الإتقان كل صنوف الإجرام والإفساد، وحتى ذلك الحين على المجتمع أن ينتظر المزيد من الجرائم ومظاهر الإفساد المحترف.



Ab.moa@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد