Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/02/2008 G Issue 12931
السبت 16 صفر 1429   العدد  12931
التركيبة الاجتماعية وظاهرة العادات
د. عبدالله بن سعد العبيد

للحرية لذةٌ لا ينكرها أحد وهي من أجمل ما يسعى الإنسان لامتلاكه وممارسته والعيش بنعيمه، بل هي أثمن ما قد يضحي الإنسان من أجله ومن أجل الاستمتاع بها. والحرية أفق واسع لا حدود له، ولا يقتصر مفهوم الحرية على الحرية الشخصية أو حرية العيش في الوطن الحر فقط، بل تتعدى ذلك بكثير .....

لتشمل العيش بحرية في وطن لا تؤطره قيود وأغلال العبودية والخنوع لعادات وتقاليد ومفاهيم سلبية خلقتها أجيال سابقة وتوارثتها إلى أن وصلت إلى جيلنا الحالي الذي اصطدم واقعه بين ما هو متحرر وما هو قيد العبودية.

ازدواجية يعيشها هذا الجيل تفرز عدداً من مركبات النقص التي لا يمكن الاستهتار بما قد تحدثه مع مرور الوقت، وتتجلى ازدواجية الشخصية العربية هذه في ازدواجية التعامل والسلوك الاجتماعي، وازدواجية لغة التعامل الاجتماعي، وازدواجية النزعة الانتقادية، والازدواجية الحضارية، وأخيراً في ازدواجية موقفه من الغرب. فهو يقبل على منتجاته ومعاهده وكلياته وأفلامه وكتبه، وموسيقاه وطعامه وملبسه ووسائل مواصلاته، ويتمتع في حياته بإنجازات الغرب التكنولوجية والعلمية، لكنه في الوقت نفسه يقف موقف المهاجم والمداهم لكل فكر جديد، وخطوة جديدة من شأنها أن تيسر الحياة، وتفتح لها آفاقاً جديدة.

تلك الازدواجية التي خلقت - وما زالت للأسف - الشعور لدى الشاب السعودي بالنفور من كل الأعمال الحرفية التي ربما كان مردودها المادي أعظم من المهن الإدارية، ذلك أن مجتمعه أو محيطه فرض عليه نوعاً من القيود الأخلاقية التي تحظر عليه ممارسته مِهَناً بعينها بحجة التسبب في إهانة جماعته أو الدائرة الاجتماعية التي يعيش فيها بغض النظر عن مسماها، وهو ما يعني أن الجماعة ما فتئت تمارس ضغوطاً نفسية على الفرد حتى تستوي سلوكياته على الخط الذي ترسمه الجماعة وليس الذي يرسمه الفرد لنفسه، فيقع فريسة سهلة لازدواجية مقيتة، فهو يخاف ممارسة مهنة معينة لعدم قبولها من جماعته بينما لا يمانع إطلاقاً ممارستها بعيداً عنهم. وهذا ما أسميه القيم الجغرافية بحيث تتشكل لدينا مناعة من ممارسة فعل ما بغض النظر عن صحته أو حرمته داخل حدود الجماعة، بل داخل حدود الوطن سرعان ما تنجلي تلك المناعة إذا ابتعدنا عن الجماعة أو الوطن.

تلك الازدواجية خلقت نوعاً آخر من أشكالها المرعبة في العبث بالنظام والتركيبة الاجتماعية، فنرى عادةً أن الفتاة كلما كانت أصغر سناً اختارها من هو أكبر سناً وعمراً وهذه معادلة غير منصفة قائمة على مركب نقص، فالشاب الذي تخطى الأربعين أو قارب يصر على أن يثبت للجميع أنه أحق بفتاة تصغره بأكثر من نصف عمره متأبطاً النظرية الاجتماعية السائدة التي تقول إن الرجل لا يعيبه سوى جيبه، وأنه كلما كان كبيراً كلما ازداد نضوجاً وأن بياض شعره لا يزيده إلا وقاراً. متناسياً الاختلافات الثقافية والفسيولوجية والمتطلبات والرغبات وغيرها مما يمكن أن يكون مدعاة لزيادة حالات الطلاق.

أما بالنسبة للفتاة فإن ثوابت المعادلة سرعان ما تهتز في الاتجاه المعاكس، فهي كلما تقدم بها العمر تقدم الإعجاب إليها بزهو وتقدم إليها الرغاب، ومع توالي السنين يتلاشى ما يصونها من إعجاب وتبدأ حالة التصدع حتى تنظر حولها فلا تجد لذلك الإعجاب أثراً.

ولذلك هي إما أن تتزوج في سن صغيرة لرجل يكبرها بمقدار عمرها، وإما أن تنتظر فيفوتها القطار وتضطر حينها إلى اللجوء لحالة الإنقاذ على يد رجل آخر يكبرها بمراحل، فهي في الحالتين مسلوبة الإرادة والاستقلالية.

أسوق المثال السابق كشاهد آخر على ازدواجية المعايير التي شملت حتى حالات الزواج في مجتمعاتنا، فتجد عائلة ما ترفض تزويج ابنتهم لشاب يخاف الله وذي سمعة طيبة ومستقيم بحجة اختلاف وتفاوت النسب، في حين لا تمانع من تزويجها من شاب من دولة عربية أخرى غير سعودي أو حتى سعودي بالجنسية حتى لو كان من أصل غير عربي.

متى نستطيع الخروج من هذه الازدواجيات المتعددة التي سببت وما زالت خللاً اجتماعيا يتوارثه الأجيال وسيسبب مزيداً من الارتهان إلى العادات والتقاليد ويعرض مجتمع قارب تعداده العشرين مليوناً من سخرية المجتمعات الأخرى.

سؤال فقط، والله من وراء القصد.





dr.aobaid@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد