Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/02/2008 G Issue 12931
السبت 16 صفر 1429   العدد  12931
المخدرات التحدي الراهن
عبدالله عبدالسلام عيون السود

إن معاقرة (مواد الإدمان) لا تقتصر على كونها (مشكلة صحية) بل تتعدى ذلك لتمثل تحدياً على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي يكتسب صفات الجانحة العالمية؛ فما من بلد واحد أو مكان واحد في العالم يمكنه أن يفوز بشهادة الخلو من المخدرات!

إن إنتاج العقاقير غير المشروعة وتوزيعها واستهلاكها يمثل جزءاً من ثالوث إجرامي يضم في الوقت نفسه: مافيا الدعارة، ومافيا القمار، ومافيا تهريب المخدرات. وهذه شبكة دولية خبيثة لا هدف لها إلا المزيد من إشاعة الانحلال والتفسخ الذي يهدد حضارتنا الأخلاقية وصحة أجيالنا القادمة.إن المشكلات الصحية وغير الصحية المتعلقة بمعاقرة مواد الإدمان عديدة؛ فمعاقرة المخدرات تزيد من: حوادث الطرق، كما تترافق مع الانتحار، والعنف، فضلاً عن ارتباطها بالتغيب عن العمل وتناقص إنتاجية العمل. وإذا تناولت (الحامل) المواد النفسانية التأثير فقد تؤثر في الجنين، وهي تستطيع أيضاً - بقدر الله - أن تقصر أمد الحياة، عن طريق زيادة استعداد المتعاطي للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية والنفسية والمعدية، ولا سيما تلك الأنواع الخطيرة من التهابات الكبد التي تُؤَهِّبُ للسرطان، وأمراض الجهاز المناعي، ولا سيما متلازمة العوز المناعي المكتسب (الأيدز).

ومن المشكلات الأخرى التي تسببها معاقرة المخدرات: حدوث تغيرات جوهرية بالشخصية؛ إذ تجعل المتعاطي مستعداً للإصابة بالأمراض النفسية، كما تتسبب في تفكك العائلات وتستنفد الموارد المالية للأسرة والمجتمع، وتبعد الناس عن ميدان المشاركة في التنمية الاجتماعية وبكلمة موجزة: تهبط في النهاية بنوعية الحياة. أضف إلى ذلك أن هناك علاقة مباشرة بين الجريمة والمخدرات؛ فمهربو المخدرات يرتكبون الكثير من الأعمال الإجرامية بحق المجتمعات التي يستهدفونها. ومن الممكن أن يرتكب المدمنون أي جريمة لإشباع حاجاتهم إلى المخدرات.

إن المخدرات تهلك الأرواح والمجتمعات، وتقوض التنمية، وتولد الإجرام، وتخنق الحرية، وتؤثر في نمو الشباب الذين هم أغلى كنوز مملكتنا الحبيبة.

إن المواجهة يجب أن تكون شاملة؛ فالنظرة الأحادية إلى المشكلة نظرة قاصرة، لا شك لا شك، بل أكاد أجزم بأنها خاطئة. وهذا الأمر يتطلب منا أن نتصدى بصورة علمية لحزمة من السلوكيات والمفاهيم التي تفضي إلى هذا المرض المميت (المخدرات)؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر: السجائر التي تكاد تكون دائماً هي المخدر الأول الذي يجربه المراهقون، وإضافة إلى المخاطر الصحية الأكيدة التي يحملها التبغ فإن تدخين السجائر يفتح عيون الفتى على عالم المخدرات، ويجعل سلوك التفتيش عن المخدرات يبدو له سلوكاً طبيعياً.

الفرد الذي ليس لديه وازع يمنعه من التدخين يعد أكثر استعداداً لمعاقرة المخدرات الأخرى. وهذا أمر تم إثباته في كثير من الدراسات.ومع هذا، وللأسف الشديد، ثمة ما يشبه القبول الاجتماعي لهذا السلوك الضار بل أكثر من ذلك يكون الأب المتعاطي للتدخين القدوة السيئة لأولاده.وماذا عن العنوسة، والطلاق، والتفكك الأسري، والعنف الأسري، والتحرش الجنسي، والفشل الدراسي، والتهميش الاجتماعي، والشذوذ الجنسي، والانغلاق على الذات؟ كل هذا يوفر للمخدرات بيئة ملائمة لتفعيل غوايتها الشيطانية.وتجيء النفوس الضعيفة التي أشربت قلوبها حب المال وجمعه، حتى ولو كان ذلك على حساب أخيه الإنسان؛ لتجعل من المخدرات اللاعب المدمر في رؤوس القابلين للتورط بهذا المنزلق الخطير.

هدفنا في الجمعية الوطنية الخيرية للوقاية من المخدرات (وطن خال تماماً من المخدرات)، متوسلين لبلوغ ذلك كل ما من شأنه إيصالنا إلى رؤوس شبابنا وشاباتنا لإقناعهم بأن احترام قيم الاحتفاء بالحياة يحتم على الجميع النأي عن كل ما يؤذي الحياة.

إن نظرتنا إلى ضحايا هذا (الوباء) يجب أن تكون نظرة خاصة؛ فهم مرضى، وليسوا مجرمين. وعلينا حمايتهم والعمل على دمجهم وتأهيلهم داخل المجتمع ليكونوا مواطنين صالحين.

إن إعادة بناء المناهج التربوية والبرامج التعليمية على أسس علمية صحيحة تراعى فيها جميع العناصر التي تدخل في تكوين العقل النقدي الذي يميز بين الخطأ والصواب وصياغة الوجدان وتهذيب النفس وتوجيه الإرادة الإنسانية الوجهة السليمة وتربية الذائقة الجمالية.. من شأن ذلك كله أن يخلق مناعة ذاتية ضد كل أنواع الانحراف وابتذال الذات. وهذه عملية طويلة النفس، ولكنها حاسمة النتائج.

لكم يسعدني أن أرى شيئاً من الثقافة المضادة للمخدرات، وما يفضي إليها في صميم مناهجنا التربوية.لكل تقدم إيجابياته وسلبياته، والتقدم الحقيقي هو الذي يتحكم في السلبيات، ويعزلها، ويعالجها، وينمي الإيجابيات، ويزكيها، ويحسن استثمارها، كذلك فإن لكل عصر آفاته، ولكل آفة جذورها وأسبابها التي تنتج في الغالب من صيرورة التقدم وكينونة الإنسان.

إن المعركة مع المخدرات طويلة وشاقة وتحتاج من كل منا إلى تربية الملكة الأمنية في داخلنا لكي نبقى متيقظين لكل من يستهدف عافية مجتمعنا وإنساننا. وعلينا أن نشيع ثقافة الحوار اليومي في أسرنا وما من موضوع إلا ويمكن أن يكون مادة لحوار مثقف بين الأبناء والآباء، حتى التعود على ممارسة النقد، والنقد الذاتي يجب أن يكون من بدهيات حياتنا الأسرية؛ فلا أحد فوق النقد (وكل يؤخذ منه ويرد عليه).

أيضاً يجب تغذية (الحميمية) بعلاقاتنا الأسرية والاجتماعية وبث روح الفكاهة والمرح البريء والنأي عن التجهم والصرامة غير المبررة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد