Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/03/2008 G Issue 12942
الاربعاء 27 صفر 1429   العدد  12942
أما بعد
بذاءات واستهزاء... وغثاء صامت
د.عبدالله بن عبدالعزيز المعيلي

وتحددت بذاءات الدانمرك واستهزاؤها برسولنا الكريم، ويزعمون أن دافعهم في ذلك حرية التعبير وإبداء الرأي، وهم يتبجحون بهذه الحرية ويفاخرون، ومفهوم الحرية عندهم أن يطلق العنان لكل عمل وفعل، ولكل قول دون قيد أو شرط، ومن هذا المنطلق، أعطوا أنفسهم الحق أن يفعلوا ما يشاءون، وأن يقولوا ما يعتقدون، ضاربين عرض الحائط بكل غرور وصفاقة، كل القيم، وكل المعايير، فلا حدود تمنعهم، ولا أخلاق تضبطهم، لا يأبهون لدين، ولا يرعوون لضمير، هذا ديدنهم، وديدن أقرانهم في دول الغرب عامة، فكم من شعار براق رفعوا، وكم من كلام معسول رددوا، ومع هذا، لم يحترموا شعاراتهم، ولم يلتزموا بكلامهم، فانكشف الغطاء، وتجلت الحقائق منبئة عن خبايا ومخابر قبيحة، فبدت شعاراتهم زائفة جوفاء، وكلامهم رخيص كاذب، فقد أثبتت المواقف والأحداث، أن أحقادهم ومعتقداتهم الفاسدة، أقوى وأمضى في تحكمها وتأثيرها عليهم مما يوهمون به الآخرين من دعاوى الحرية والتسامح، واحترام حقوق الإنسان، خاصة فيما له علاقة بالإسلام والمسلمين، ومما يؤكد هذا ويدل عليه أن أقلامهم الحرة تجبن ويجف حبرها عن تناول ما يسمى (محرقة النازية)، وأن مجرد التشكيك في أعداد من تم إحراقهم يقيم الدنيا ولا يقعدها، فكيف بمن يسوغ أحداثها؟ أو يقرأها قراءة تخالف رؤية اليهود فيها.

هذه حقيقتهم، وهذا معدنهم، والمؤسف أن فئة من أبناء المسلمين يتعامى عن هذا ويتغاضى، بسبب الوهن والتخاذل والانكفاء الذي أعمى بصائرهم، فلم تعد ترى القبيح قبيحا، وأحاط قلوبهم بغلف، فلم تعد تميز بين الحق والباطل، فخرست الألسنة، وجفت الأقلام، حتى عن الفعل الوحيد الذي يحسنونه، ألا وهو الاستنكار والشجب.

ولهذا فلا غرابة أن يدعو وزير الداخلية الألماني، الصحف الغربية إلى مواصلة نشر الصور البذيئة المسيئة للرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم-، لأنه يعرف أن الاعتداء على ثوابت المسلمين ومقدساتهم أمر هين غير مكلف، وأن دماءهم وأموالهم وأراضيهم وحقوقهم - حتى الإنساني منها - أرخص من أن يدافع عنها أحد، أو أن تذرف عليها الدموع، فقد تعلم هؤلاء القوم من ممارساتهم العدوانية المتكررة، وسوابقهم الباغية، أن الأمة الإسلامية تغط في سبات نوم عميق، وأن الوهن والضعف قد أصاب ضمائر أبنائها في مقتل.

فلم تعد الأحداث تحرك وجداناتهم، ولا المآسي تلهب مشاعرهم، إنهم غثاء كغثاء السيل.

وإلا لماذا هذا الصمت وهذا الخذلان؟ أين الصوت الإعلامي المقروء والمسموع والمرئي؟ لماذا لم تنسق الصحف كلها لمواجهة هذا العدوان؟ بالرأي الحصيف، والرد البليغ، والبيان المنصف، والتفنيد الدقيق الصحيح الواضح، لماذا اكتفت وسائل الإعلام بنشر الخبر فقط؟ هل دورها الترديد الببغاوي؟ إنها مطالبة بالتنسيق مع العلماء والمفكرين والكتاب في مواجهة هذا البغي، بمواصلة نشر ما تعرفه الأمة عن نبيها، من خلق كريم، وعدل ورحمة، وسماحة وتسامح، ومواقف إنسانية كريمة مع المخالفين من اليهود والنصارى وغيرهم.

أين تواصل الدول الإسلامية ومنظماتها المتخصصة مع الدول الغربية؟ ومع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية التي تدعي حماية حقوق الإنسان.

لقد تولد عن صمت المسلمين المعهود أمام مثل هذه البذاءات، انطباعات لدى الغرب بأن المسلمين ضعفاء لا يملكون حولا ولا قوة للتصدي والمواجهة العاقلة المؤثرة، ولهذا لا ضير من مواصلة استباحة حرماتهم، والاستهزاء بثوابتهم وقيمهم.

إن المخرج من حالة التردي والهوان التي تعيشها الأمة الآن يكمن في إحياء مواطن كرامتها، والتي تتمثل في أن تلتزم الأمة بثوابتها، وتحترم هويتها وحضارتها وثقافتها، هذا هو الطريق إلى إثبات ذاتها، ومزاحمة الآخرين بجدارة في إدارة الأحداث والتحكم فيها.



Ab.mpa@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد