Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/03/2008 G Issue 12942
الاربعاء 27 صفر 1429   العدد  12942
غزة ورائحة الموت.. شجب وإدانة واستنكار غير مفيد!
حسين أبو السباع

ممرات المستشفيات تحوّلت إلى غرف عمليات، والقطاع الصحي في غزة قارب على الانهيار. الإمكانات ضعيفة من أجل إنقاذ حياة الأبرياء العُزّل من سكان قطاع غزة الذي يشهد معاركه الأعنف مع إسرائيل كما وصفها المحللون. الدم في بنوك المستشفيات قارب على النفاد، والضحايا يتساقطون في تزايد ينبئ بكارثة إنسانية. ورغم المحرقة التي ترتكبها إسرائيل في الشعب الفلسطيني -كما وصفها محمود عباس أبومازن- إلا أن الإعلام العربي يتعامل مع الحدث باعتيادية وبدم بارد، حتى تصريحات الشجب والإدانة والاستنكار المعتادة من كل دول العالم التي أقل ما توصف به أنها عديمة النفع والفائدة، أتت باهتة خالية من أي شعور، غلب عليها طابع الاعتياد أيضاً. بينما لعب الإعلام الغربي والأمريكي على قلب الحقيقة، ففي عدد من الصحف الناطقة بالإنجليزية نُشرت صور لامرأة إسرائيلية مصابة (مدّعين) أن إصابتها جاءت نتيجة للقصف الفلسطيني الوحشي على الأحياء السكنية. لكن بعض الفضائيات التي تقف في قلب الأحداث كشفت بسهولة (زيف ما يدّعون) بنقل الوضع حياً من غزة.

في المقابل يصر إيهود أولمرت على دفع المزيد من الأبرياء الفلسطينيين إلى المجزرة، قنابل زنتها طن تقوم بإلقائها طائرات ال(إف16) فوق رؤوس سكان غزة المحاصرة. رائحة الموت تعمّ القطاع، والمجتمع الدولي في غفلة أو يتغافل عما يحدث. ومشاهد ثلاجات الموتى التي تعرضها الفضائيات أيضاً لم تحرك فينا ساكناً، وحتى جثث الأطفال الرضع لم تحرك فينا ساكناً. اعتياد مشاهد القتل والترويع قتل فينا حتى الانفعال الإيجابي، وتحرك المشاعر البليدة، قبعنا أمام الفضائيات نشاهد ونمصمص شفاهنا حسرة على ما يحدث، وسرعان ما نحوّل القناة إلى مشاهدة الأغاني والأفلام الكوميدية؛ هرباً من مواجهة الذات التي من المفترض أن تغضب!

لا يزال الأطفال يصرخون حتى هذه اللحظة قائلين بصوتهم الواهن: لا نريد أن نموت. والكبار يتساءلون: أين المجتمع الدولي من هذا العدوان الغاشم؟ وكلنا يسأل إلى متى ستظل إسرائيل تعيث في الأرض فساداً طولاً وعرضاً والمجتمع الدولي قابع ساكن في موقف العاجز من الأحداث. عصابة الحرب في الكونجرس الأمريكي تدعم كل محاولة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، والتحذيرات تتالى من تصعيد العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. حرب كلامية خرساء من الفعل، فقط تندد وتحذر وتشجب وتدين، بعيداً عن أرض الواقع الفلسطيني الذي توقفت الحياة فيه، واقترب ساكنو قطاع غزة من الموت واحداً تلو الآخر، وهم يستحثون العالم الأخرس العاجز عن الفعل الإيجابي بالوقوف إلى جوارهم حتى ترتدع إسرائيل، استحثوا العالم مرات ومرات إلى أن فقد الفلسطينيون حتى مجرد الأمل في مساعدة أحد في رفع هذا العدوان الغاشم.

تدّعي إسرائيل أن قصفها لقطاع غزة من أجل استهداف قادة حركة حماس الذين اختفوا عن الأنظار وأغلقوا هواتفهم الجوالة من أجل الحفاظ على أرواحهم، بالإضافة إلى منع حماس من إطلاق صواريخها، بل والقضاء على كل إمكانيات حماس لإسقاط حكومتها، إلى جانب فصل قطاع غزة عن الضفة. ومن أجل وصول إسرائيل إلى أهدافها تقصف كل ما يقابلها من أطفال ونساء وشيوخ وعجائز، التبرير جاهز ليس من اليوم بل منذ أن غُرست إسرائيل في قلب الوطن العربي وهي تُعمل القتل والتشريد والمجازر من دون توقع رد صريح ولو حتى دبلوماسي، لكن بعيداً عن الشجب والإدانة والاستنكار غير المفيد. فهل سننتظر أن توقف إسرائيل اعتداءها بعد أن تقضي على سكان غزة؟ أم سنظل ننتظر حتى تدخل غرف نومنا لتقتلنا كما تفعل بسكان القطاع؟



aboelseba2@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد