Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/03/2008 G Issue 12942
الاربعاء 27 صفر 1429   العدد  12942
متى يتوقف سفك الدم الفلسطيني...؟!
عبد الله بن محمد السعوي

عندما تحيط السادية بصاحبها، فتملأ عليه ذاته، وتحاصر عالمه، وتؤطّره في إطارها، فإنها تدفعه وبمباركة من حسه إلى معانقة الجريمة في أبشع مستوياتها، فتظل الجريمة ملازمة له، لا يتنفس إلا في جوها، ولا يتحرّك إلا في ظلها، فهو حبيس جريمته، يتعذر عليه العيش حتى ولو كان العيش في أحط قوالبه إلا بها ومعها ولها؛ الجريمة جزء لا يتجزأ من سلوكه العام، وكلما أوغل فيها تكشفت له آفاق، وجدّت له أشواق، وجاشت في جنانه الرغبة العميقة في التلبس بها؛ هذه الشخصية الإسرائيلية الكنود لا تشعر بالوشيجة الإنسانية الكبرى التي هي القاسم المشترك الأكبر بين بني الإنسان، ولذا فهي تكن سوء الطوية وتعاني عذاب العدائية فتندفع جراءه إلى التنفيس عبر متباين الآليات القتالية، فتحتل، وتحاصر، وتجوّع، تقطع الكهرباء لينتشر الظلام، ويرخي سدوله، وتعطل الآلات الطبية ليتوقف تنفس المرضى، تقطع البنزين لتُشل الحركة، تغير بالطائرات لترعب النساء، وترهب الأطفال الذين استحالت أجسادهم إلى أشلاء محترقة في حفلة شواء مرعبة، وحصد للحياة، وتحرك آلة القتل الإسرائيلية لتجمد كل أشكال الحياة في مشهد كارثي معدوم النظير، ومع كل هذا -وهذا مما يدعو للدهشة والتساؤل والاستغراب- يأتي من يحمل الشعب الفلسطيني المسؤولية! ويسفه ثقافة المقاومة لدى هذا الشعب الذي استمد من قوة روحه إصرارا وعزيمة وقوة إرادة كسرت عزيمة المعتدي. إن الهجوم اليهودي البشع ولد لدى هذا الشعب شعورا بالتحدي وأكسبه قوة تصميم استطاع جراءها أن يثبت بسالته وشدة مراسه في معركة فرضت عليه في عقر داره ووطنه، من قبل الغزاة ولم يخترها ابتداء.

إن مشكلة إسرائيل ليست مع غزة فقط، وليست مشكلتها مع الشعب الفلسطيني فقط، بل إن مشكلتها مع كل ضمير يقظ، بل مع الإنسانية الحرة عن بكرة أبيها، إنها واهنة شديدة الوهن، ولكنها تستغل هذا الحبل السري من القوى الإمبريالية، وتستغل تفكك الموقف العربي لتستهدف المدنيين، والأبرياء والشرفاء وكل الجبهات المناضلة المتمسكة بحقها في هذا العالم المترامي الأطراف؛ إن الفرد الفلسطيني، يسطر ملحمة كبرى على أرض فلسطين، ويثبت أنه عصي على الكسر، وأنه رقم صعب لا يمكن تجاوزه؛ إنه فرد صامد رغم كل الظروف الصلبة التي يواجهها، فالسماء من فوقه ملبدة بالغارات التي تمطر نارا، والأرض من تحته تفيض بأمواج الدماء، والموت يعاينه وجهاً لوجه، وقد كان يبحث عنه ويتمناه؛ إن الدماء التي انهمرت في غزة ستوحد الصفوف وستجمع الكلمة وستجسر الهوة بين الشعب الفلسطيني ليكون يداً واحدة بكل قواه وفصائله وقياداته في الوطن والشتات، إنه على الرغم من سلسلة الإدانات التي صدرت وما زالت تنطلق من جانب العديد من الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية للتنديد بهذا السلوك الدموي وهذا اللون من حمام الدم المتدفق إلا أن هذه الطبيعة الصهيونية الواقعة تحت سيطرة الشبق العنفي قد صمت أسماعها وتجردت من ضميرها وتخلت عن مسؤوليتها وباتت شلالات الدماء هي التمظهر البراق الذي يهدئ من روعها وتدلف بفعله إلى عالمها الرومانسي الخاص!، هذه المجزرة يراد منها إبادة الشعب الفلسطيني، هذه هي الحقيقة التي تواجه من يروم أن يعي، ولا يضع على لبه غشاوة من صياغة ذاته كي لا يعي هذه الحقيقة التي يعد الجدال فيها ضرب من المراء لا يستند إلى ما يمنطقه!، بني صهيون، عندما يخوضون معركة، أو يصعدون عدوانا يلقون في روع المخدوعين والمغفلين، أن حكاية الإبادة باتت حكاية لا معنى لاستدعائها، ومن الحماقة رفع رايتها، وخوض الحرب باسمها!! هذه هي النغمة التي يرتكنون إليها، بينما هم في قرارة أخلادهم، يطلقون النار لإبادة هذا الشعب، وتحطيم إرادته، وكسر شوكته التي شاكتهم فأدمتهم طويلا؛ إنهم يتعامون عن رؤية الحقيقة، وأن هذا الشعب ليس عنصرا دخيلا، ولا حالة استثنائية طارئة فرضت ذاتها بشكل إكراهي، وإنما هو جزء عضوي لا يتجزأ من المنطقة العربِ سلامية.

إن منطق الضرورة الحادة يقتضي أن تسعى الدول العربية سواء عبر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أو من خلال التحرك الفردي أو على الصعيد الثنائي أو المتعدد الأطراف إلى التحرك لدى مختلف القوى العالمية ذات الحضور المؤثر كالولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي ومختلف الكيانات القادرة على ممارسة الضغط على إسرائيل للوقف الفوري لهذا الهجوم الناري على الشعب الذي أعيته الجراح، وتوالت عليه الأعباء.

إن استمرار تلك السلوكيات اللا مسؤولة هي التي تذكي أوار العداء وتؤسس لعدم الاستقرار وتئد أية نوايا مستقبلية للتوصل إلى السلام مع إسرائيل وخصوصا على المستوى الجماهيري، وإذا كانت هذه الكارثة التي تشكل وصمة عار في جبين الإنسانية، نائية عن الطرح والمداولة الجدية في مجلس الأمن، فإن ذلك لا ينبغي أن يثبط مساعي الدول العربية للتحرك في سبيل إيقاف هذا النهج العدواني الثابت، وهذه الممارسات اللا إنسانية بكل المعايير.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد