Al Jazirah NewsPaper Monday  10/03/2008 G Issue 12947
الأثنين 03 ربيع الأول 1429   العدد  12947
لليوم الرابع بثقافة الجنادرية
قراءة ومراجعات حول (الخطاب الدعوي المعاصر)

الثقافية - علي بن سعد القحطاني

نال (الخطاب الدعوي المعاصر مواقف ومراجعات) اهتمام مثقفي (جنادرية 23)، وذلك في ندوة موسعة شارك فيها كل من الدكتور سلمان بن فهد العودة والدكتور أبو زيد المقرئ الإدريسي والدكتور رضوان السيد والأستاذ منتصر الزيات وأدارها الدكتور عبد الرحمن بن زيد الزنيدي، وقد تحدث الأستاذ منتصر الزيات عن (دور تيار الاعتدال في مواجهة الغلو والتطرف) وقال: لقد كان النص القرآني واضحاً في ترسم خطوات الاعتدال من قلب وصايا الاستقامة وهو يقول للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (112) سورة هود.

وقد رسم النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مستقيماً على الأرض ورسم خطوطاً أخرى متعرجة وغير مستقيمة وتلا قول الله سبحانه {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} (153) سورة الأنعام.

الاستقامة وما تحتاجه من يقظة دائمة لعدم الخروج عن الطريق المستقيم قد تدفع إلى الغلو والتطرف والإفراط لهذا جاء التوجيه القرآني بعد الأمر بالاستقامة بعدم الطغيان، شدة التعبد والرغبة في اتباع النبي دفعت البعض ممن عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم إلى اتباع التشدد بالإعلان عن الزهد والتقشف فقال أحدهم إني لا أنكح النساء وقال آخر وأنا أصوم الدهر وقال ثالث وأنا أقوم الليل كله، فعلم معلم الناس الخير هؤلاء والبشرية من ورائهم أن هذا السلوك المتشدد ليس من التدين الحقيقي وإنما هو من التدين المغشوش، وأوضح أنه يصوم ويفطر ويقوم وينام وينكح النساء. فتمام العمل لقبوله يستلزم أن يكون خالصاً صواباً.. خالصاً لوجه الله سبحانه، صواباً على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بدوره لن يتحقق إلا بالعلم.

أهم آفة أضرت بالشباب في مناطق مختلفة من العالم العربي والإسلامي هي الجهل بمعنى عدم التعلم أو تلقي العلم من شيوخه حسب الأصول المعتمدة، وإنما اكتفى بعضنا بالنظر في الكتب والنصوص ومن ثم قاموا باستنباط الأحكام الشرعية دون أن يكونوا مؤهلين للقيام بهذه المهمة فكانت الأدلة على هوى القائمين على فكرة الخروج على أنظمة الحكم، بل كان البعض منا يضع النتائج مسبقاً ثم يبحث لها عن أدلة وفق مزاجه وتأويلاته التي استخلصها بمجرد النظر في النصوص.

وهنا أيضاً اسمحوا لي أن أشير إشارة عارضة إلى مسؤولية المؤسسات الدينية الرسمية والعلماء والدعاة في بعض الدول العربية، إذ لم ينهضوا بواجب الإشراف العلمي والفقهي على الشباب وتقاعسوا عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يفسر لنا أسباب دوامات العنف والتفجيرات التي قامت بها بعض الجماعات في مصر إبان الثمانينات والتسعينات من القتال والخروج وقتل المدنيين والسياح الأجانب واستحلال أموال أهل الكتاب أو المصالح الحكومية، وأيضاً يمكن أن نشير إلى الأحداث والتفجيرات التي وقعت في أماكن مختلفة بمدينة الرياض حيث كانت النتائج تستخلص سلفاً عن تكفير الأنظمة والمتعاملين معهم ومزاعم استهداف الأمريكان الذين يتواجدون لأغراض قتالية أو تجسسية على زعمهم.. والتعرض لتجمعات سكنية بزعم وجودهم بها، ثم استهداف مبنى الأمن العام الذي أودى بحياة سعوديين ومصريين حتى وصل الخلل إلى تخزين أسلحة ومفرقعات في مكة المكرمة وجدة؛ مما أحدث قلقاً كبيراً في قلوب المسلمين لولا أن الله أراد الأمن لبلاده وعباده هناك.

لقد اعترف إخواننا في مصر قادة الجماعات ببطلان أسانيدهم وتوفرت لديهم شجاعة الاعتراف والاعتذار عن الخطأ والندم، لكن مطلوب من الأجيال الجديدة الصاعدة ومن الحركات الإسلامية في كل مكان من بلادنا العربية أن يستفيدوا من التجارب وألا يبدأوا المشوار من بدايته.

ولقد كان الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ملتزماً بالنهج الوسطى الذي ورثه وتعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة الخوارج الذين رفعوا شعار (إن الحكم إلا لله) وقال عنهم هم إخواننا بغوا علينا، وأمر بقتالهم دفعاً لضررهم وبالقدر الذي يكفي لرد الاعتداء فإذا ما أوقفوا قتالهم أوقف قتاله، تلك معالم الإستراتيجية ضرورية تعمل على دفع غلواء التطرف والغلو والتكفير نحتاج إلى وضع بلورة واضحة لها فكرياً وشرعياً وسياسياً حتى نتمكن من لملمة كل الطاقات الممكنة في صفوف الأمة وهي تبحث عن موضع قدم لها بين الأمم الكبرى، وحتى نجنب بلادنا شرور الفرقة والتوتر والاستنزاف.

الفكرة قبل الفعل:

ومن المفاهيم الرئيسة في التصور الوسطي للنهضة الجديدة أن الفكرة تسبق الفعل ويترتب على هذا بالضرورة حقيقة أن (أهل الذكر) و(الذين يعلمون) أجدر بمقعد من (أهل الحماس) وبالطبع فإن لكل منهما دوره وفضله، لكن اختلال العلاقة بين (الحماس) و(العلم) يؤدي لتبديد الجهود وأحياناً يؤدي لكوارث يحتاج إصلاح آثارها إلى الكثير جداً من الجهد فالنوايا الحسنة وحدها لا تضمن نجاح المسعى، بل يجب بذل أقصى الطاقة للأخذ بالأسباب الدنيوية حتى تطير النهضة بجناحين.

وإعادة التوازن للعلاقة بين الفكر والفعل يفتح الطريق أمام الأكثر كفاءة ليحتل موقعه الذي يستحقه وفي الوقت نفسه يفتح الباب أمام كل متميز لأن يطمح إلى أن يخدم دينه مطمئناً إلى عمله سيكون موضع تقدير حقيقي لا أن تغيب الكفاءات تاركة ساحة العمل الإسلامي لغير قليل من الأدعياء والمتحمسين المفتقرين للرؤية والطائشين المجردين من الخبرة فتكون الحصيلة هزيلة.

تأسيس النهضة (الجديدة):

وتأتي في الأهمية تالياً مباشرة قضية إعادة تأسيس مفهوم النهضة على أساس يقيم وزناً أكبر لقضية (إبداع) كميدان للجهاد لنصرة الإسلام بحيث تتحول الطاقات الفاعلة في الأمة من التفكير في مواجهة الآخر بشكل واحد ووحيد توسع أفق نظرته صوت إبداع فكر وثقافة وعلم وتقنية وفن تدفع الآخر دفعاً لأن ينظر للإسلام نظرة أكثر توقيراً إذ تنعكس عظمته في إنجازات أبنائه، فالإنجاز كمعيار للسعي لنيل رضا الله سبحانه وتعالى هو المعطى الذي يمكن أن يركز التيار الوسطي خطابه وعمله عليه، وهو ما يعبر عنه الداعية الإسلامي المعروف الشيخ يوسف القرضاوي بعبارة لطيفة يقول فيها إن المسلمين يعرفون كيف يموتون في سبيل الله ومن المهم أن يتعلموا كيف يعيشون في سبيل الله.

فالتخلف عدو للأمة في المفهوم الوسطي وهو وفق هذا المنظور عدو لا يقل خطراً عن أعداء الخارج دولاً كانوا أو حركات ذات نفوذ دولي تستهدف الإسلام، فالخروج من شرنقة التخلف في الداخل يسبق الطموح لمنازلة أعداء الخارج. وهنا تصبح الأمة كلها قادرة على المشاركة في صنع النهضة والقيام بفريضة الجهاد كل حسب طاقته وفي المجال الذي يستطيع أن (يبدع) فيه، واتساع المفهوم يعني اتساع جبهة الجهاد وإتاحة الفرص لمختلف الطاقات التي يستبعدها المفهوم المتشدد للجهاد.

وأنا هنا أدعو كتاب الدراما للقيام بدورهم في استلهام قيم الأمة ونسقها الحضاري والأخلاقي وهم يصيغون أعمالهم الدرامية للسينما والتلفاز بمعالجات تسعى إلى نهضة الأمة وترسيخ المفاهيم الصحيحة (إشارة إلى خطأ المعالجة الدرامية لأزمة التطرف في فيلم الإرهابي عادل إمام ومسلسل العائلة لكاتبه وحيد حامد).

إعادة الاعتبار للإسلام

في بلاد المسلمين:

وتلك مهمة تحتاج إلى (جهاد) كلمة وفكر أصعب بكثير من الجهاد بالمعنى العسكري الذي يحصر بعض المتشددين فهمه وعمله في حدوده، لن يكون للإسلام نصيب حقيقي من المهابة والاحترام في (الخارج) ما لم تتمكن الفصائل التي ترفع لواء الوسطية من ترسخ مبدأ احترام الإسلام وإعادة الاعتبار لدوره في الحياة العامة وشرائعه ومنظومته القيمية في (الداخل)، وهنا لا يعني قصر المهمة على التيار الوسطي استبعاد التيارات الأخرى من فصائل الحركة الإسلامية بل يعني أن النجاح في هذه المهمة مرهون بعوامل عديدة في مقدمتها القدرة على إقامة توازن بين التقدير الواجب للإسلام كمرجعية وبين الفضاء الواسع الذي يعتقد هذا التيار أنه مقبول شرعاً تحت سقف الشريعة دون تغليب لموقف مذهبي أو اختيار في قضية خلافية.

وإعادة الاعتبار للإسلام في داخل العالم الإسلامي يفرض على من يتصدى له أن يبذل الجهد على جبهتين: فبعض الأنظمة الحاكمة وفي بنيتها تأثيرات واضحة من التراث السياسي والثقافي الأوروبي تجعلها تتخوف من الدور المجتمعي والثقافي والسياسي للإسلام وتفضل تطويعه لخدمة أغراضها السياسية أو تهميشه تهميشاً تاماً، الجبهة الثانية هي جبهة المثقفية المتغربين الذين ينظرون للإسلام بمنظار (استشراقي) يتراوح بين الحياد البارد والعداء الساخن!

وغني عن البيان هنا أن التزيد والتشدد في التصور ينتج عنه تشدد في الفعل ما يؤهل التيار الوسطي لدور كبير في هذه المهمة حيث تستجيب الفطر الإنسانية دائماً لمنطق الرفق واللين والرحمة بأكثر مما تستجيب لداعي التزمت والتضييق.

بناء الأمة لا الانقلاب

على السلطة:

وتحت هذا السقف يتحرك تيار الاعتدال مستهدفاً في المقام الأول البناء الهادئ عملاً بحديث الرسول الكريم: (إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى) فالذي يبقى حقيقة هو بناء الأمة عبر تغيير ثقافي طويل المدى لا الانقلاب على السلطة بأمل تغيير العالم بعمل واحد سريع عنيف، فالذي يقاوم في العالم منذ مائتي سنة حملات الاقتلاع العنيفة التي يشنها الغرب علينا بضراوة ليس النظم الحاكمة التي تخلى بعضها عن دوره في الدفاع عن هوية الأمة إما خوفاً من العدو أو انحيازاً له وليس التيارات المتشددة التي اتخذت موقف القاضي الذي يصدر أحكام الإدانة والبراءة على المسلمين وقفاً لاختياراته الفقهية وانحيازاته المذهبية بل الوسطية التي عملت لقرون على الوقوف على ثغر الدفاع عن هوية الأمة ولم تقصر الجهاد على الدفاع عن حدودها.

وفي الختام نؤكد أن الحركة الإسلامية لا يجوز أن تتخندق وراء اختلافاتها والتيار الوسطي بصفة خاصة يقدر لغيره من التيارات إيجابيات لا ينكرها إلا مجحف لكنه يصدح بما يعتقد أنه الصواب في قضايا خلافية ويحاول أن ينبه إلى مخاطر الميل عن الصراط المستقيم إفراطاً أو تفريطاً فالتساهل والتشدد في تقديرنا وجهان لعملة واحدة.

تجديد

وتحدث أبو زيد المقرئ الإدريسي عن (تجديد الخطاب الإسلامي) وقال: الإسلام دين الوسط للأمة الوسط وخطابه في عمومه وسط إلا أنه يعاني من طرفيه المذمومين وبما أن الوسطية توسط محمود بين طرفين مذمومين طرف أقصى اليسار يهدم الماضي باسم ما يتصوره مستقبلاً حقاً وطرف أقصى اليمين يهدم المستقبل باسم ما يتصوره ماضياً حقاً.

الاجتهاد

تركزت ورقة الدكتور سلمان بن فهد العودة على ماهية الخطاب الدعوي ملمحاً إلى الفرق بين النص الشرعي والفعل البشري وتحدث المحاضر عن أهم المؤثرات الإيجابية في الخطاب الدعوي التي تكمن في الاجتهاد والاختيار وتحقيق المصلحة العامة وتجديد اللغة والأسلوب.

رؤية فقهية

وتطرق الدكتور رضوان السيد في ورقته إلى الخطاب الدعوي في الإسلام المعاصر من خلال رؤيته الفقهية مستدلاً في البداية بشروحات علماء أصول الفقه لمدلول (الخطاب) وقال:

عندما يعرف علماء أصول الفقه (الحكم) يقولون: إنه خطاب الله المتعلق بأعمال المكلفين وهكذا فالذي يهم الأصوليين والفقهاء إنما هو الجانب التشريعي إذا صح التعبير بيد أن الخطاب القرآني هو أهم بكثير من الجانب التشريعي، فهو يعرض معارف ومشاهد وإنشاءً وأخباراً وقصصاً وأوامر ونواهي، تتعلق كلها بالإنسان وعالمه تاريخياً وتجارب ومصائر وعلائقه بالله عز وجل، ورسله، وعلائقه برصفائه من البشر، وأدواره كل ذلك، وكيف تؤثر عليه في حياته في الدارين. وهذا ما يُعبّر عنه في المصطلح الحديث برؤية العالم.

فالخطاب القرآني إذن، بل كل خطاب Dicowse إنما يمثل رؤية للعالم، وعلى أساسٍ من تلك الرؤية تصدر الأحكام الكلية والتفصيلية. فما هي إذن (رؤية العالم) التي ينطلق منها المسلم داعية وغير داعية، فينتج عنها تحديد معين للقضايا والمشكلات ويصير المسلم إلى اختيار الأساليب لمعالجتها أو مواجهتها؟!

الانطباع الأول الذي نشأ لدى فئة من المسلمين على مشارف الأزمنة الحديثة عن المشكلة التي تواجههم أنها دينية بحتة أو بالدرجة الأولى. وكان ذلك انطباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وقد عمد لمواجهة هذا الانحراف الديني بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستخدم في ذلك اللسان واليد وقوة السلطة.

أما الانطباع الثاني، وبعد مائة عام على الأول فهو أن الدين بخير وإنما المشكلة في فقد المسلمين السيطرة على دنياهم. ولذلك كان لابد من إصلاح الدنيا بالأساليب التي لجأ إليها أولئك الذين سيطروا عليهم. ثم لاحظوا أن رجالات الإسلام أو الدعوة الدينية لا يندفعون في سياق الإصلاح الدنيوي، فاستنتجوا أنه لابد من إصلاح ديني أيضاً، من طريق تزويد الدعاة وغيرهم بالمعارف الدنيوية الضرورية للانخراط في المشروع الإصلاحي العام.

وجاء الانطباع الثالث في حقبة ما بين الحربين واستمر بعدها ومفاده أن الخلل ديني ودنيوي معاً. أو أن عدم النجاح في الإصلاح الدنيوي علته أمران دينيان: خروج الإسلام بالتدريج من حياة المسلمين، وهجمة العالم المعادي لهم على دينهم ودنياهم.

والانطباع الرابع والأخير قوامه تصوران متناقضان مفادهما أن جاهلية كافرة تسيطر على العالم، وتخترق حياة المسلمين وعقائدهم وأن هناك في الوقت نفسه صليبية ويهودية قويتين وطاغيتين هاجمتين على المسلمين بالتبشير وبالاستعمار العسكري والاستيطاني والثقافي والقيمي.

وما يزال الانطباعان الثالث والرابع مفترقين تارة ومقترنين تارة أخرى، يسيطران في العمق على الخطاب الدعوي الإسلامي المعاصر.

ويواجه الخطاب الدعوي المعاصر المشكلة الكبرى استناداً إلى هذا الإدراك بأحد ثلاثة أساليب:

الأول: الخطاب الجهادي والممارسة الجهادية بالداخل والخارج، وهو يغلب اعتبارات العنف الكلامي والعملي رغم إيمانه بحديث المنازل الثلاث (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، ليس لاعتقاده الاستطاعة وحسب، بل ولخوفه من المعصية. ذلك أن الفساد المنتشر في العالم وفي حياة المسلمين، لا يكفي فيه للخروج عن المسؤولية الطاعة الشخصية والإنكار بالقلب واللسان، بل إن المجاهدة والتي قد لا تؤدي لغير الشهادة، ضرورية لتجنب المعصية الناجمة عن القعود.

والأسلوب الثاني: خطاب الابتعاد عن الشرور، واتباع الأوامر والنواهي، والحياة الصالحة بشكل فردي، خطاب: (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، وهو الخطاب السائد في أوساطٍ واسعةٍ، وبخاصة لدى العامة، وذوي المزاج الصوفي.

والأسلوب الثالث: وهو جديد نسبياً يتبع استراتيجية إغراء الناس بالعودة إلى الإسلام الذي غادروه عن طريق التخفيف من هول فكرة الحرام، وعن طريق تسهيل طريق الحلال والمباح - وأحيانا الإغراء بالنجاح الدنيوي، إذا جرى تنفيذ الأوامر، واجتناب النواهي ويكتسب هذا الخطاب بالتدريج أنصاراً كثراً لقوته في وسائل الإعلام الجديدة، وظهور دعاة أتقنوا لغة الإعلام ومناحي المخاطبة التي تمس شغاف القلب.

وقد يقول قائل بعد هذا العرض الموجز، وأين المشكلة في الأسلوبين الثاني والثالث؟ وأرى أن المشكلة تبقى في أساس الرؤية للعالم، وهي رؤية سوداوية ومسدودة الأفق، ولذا فإن الاحتمال يبقى قوياً في أن تنتصر الجهادية الانتحارية والمدمرة في النهاية على خطابي العزلة والتسهيل في أقوال وممارسات المدعوين أو قسم كبير منهم.

ولذا لابد لكي يسود انسجام نسبي بين المثال والواقع أن تتغير رؤية العالم لدى إنساننا. إذاً ليست هناك مشكلة دينية بين المسلمين بالداخل ولا في علاقتهم بالعالم والمشكلة لا تتعلق بالدعاة وأساليبهم بالدرجة الأولى لكن بالنسبة إلى الجانب الخاص بالدعاة يتعلق الأمر بالإقبال على أمرين: الدعوة لبناء الدنيا، وفي موازنة ذلك إسقاط سوء الظن بالعالم الآخر. وهذا يتطلب بالطبع دعاةً يعرفون الموروث الإسلامي جيداً، ويعرفون العالم إلى حدٍ مقبول.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد