تعتبر مشكلات النمو وقصر القامة من أكثر الحالات التي تتردد على عيادة طبيب الأطفال المتخصص في علاج أمراض الغدد الصماء والهرمونات، وبالرغم من التباين الواضح بين الناس في أطوالهم وأوزانهم فإن الآباء والأمهات يسعون دائماً لأن يكون النمو لدى أطفالهم هو النمو المثالي، وهم في حقيقة الأمر معذورون فيما يسعون إليه، لأن الطفل الذي يعاني من قصر القامة كثيراً ما يرتد عليه ذلك بمشاكل نفسية واجتماعية ومهنية مستقبلاً، ولا عجب أن يسمع طبيب الأطفال هذا السؤال الذي يطرحه الوالدان: هل طفلنا ينمو نمواً طبيعياً في كثير من الأحيان الرد يأتي واضحاً وسريعاً من الطبيب، كأن ينظر في منحنى نمو الطفل فيجد المقاييس المتعلقة بطوله ووزنه ومحيط رأسه تقع ضمن الحدود الطبيعية المتعارف عليها فيزف الخبر إلى الوالدين اللذين سرعان ما تنفرج أساريرهما، إلا أن الأمور لا تجري دائماً كما يرغب الناس، فبين الحين والآخر يكون الرد مفاجئاً للوالدين كأن يتضح للطبيب أن منحنى نمو الطفل يشير إلى أنه ينمو ببطء طولاً ووزناً وربما أقل من المعدل المتوقع له حسب سنه، وهنا تظهر علامات القلق والانزعاج على محيا الوالدين ويأتي السؤال التالي ما هو السبب وما العلاج. في المقالة المقابلة تفصيل لهذا الأمر وأحببت أن أتحدث عن النمو الطبيعي للطفل.
نمو الطفل يمر بثلاثة مراحل: المرحلة الأولى: منذ الولادة وحتى السنة الثانية ويكون نموه خلال هذه الفترة سريعاً حيث يصل معدل الزيادة 30 إلى 35 سم، وإذا علمنا أن معدل طول الطفل عند الولادة هو 50 سم فإن طوله يصبح 80 إلى 85 سم تقريباً عند نهاية العام الثاني.
المرحلة الثانية: وهي التي تقع ما بين بداية السنة الثالثة من العمر وإلى ما قبل سن البلوغ، ويكون معدل نمو الطفل بين 5 إلى 7سم سنوياً.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة البلوغ عند الأطفال وتمتاز بسرعة النمو تحت تأثير عوامل هرمونية عديدة مما يؤدي إلى زيادة سنوية في الطول تتراوح بين 8 إلى 14 سم وتنتهي الزيادة هنا باكتمال مراحل البلوغ عند الإناث والذكور في توقف النمو ويكون الإنسان قد وصل إلى الطول النهائي له وذلك ناتج عن توقف الجزء النامي من العظم عن الزيادة.
وتوجد عدة عوامل تلعب دوراً مهماً في تحديد طول الطفل، منها ما هو وراثي حيث يتم توريث هذه الجينات من جيل إلى جيل، ومنها ما هو هرموني حيث إن لبعض الغدد الصماء في الجسم دوراً كبيراً ومؤثراً في عملية اكتمال النمو الطبيعي للطفل، كذلك هناك عوامل بيئية لها دورها في هذا الموضوع كأن يعيش الطفل في جو عائلي ونفسي غير مريح فينعكس عليه سلباً مما يؤدي إلى تأخر في نموه، ولإلقاء المزيد من الضوء على دور الغدد الصماء في اكتمال نمو الطفل نذكر أهم هذه الغدد وهي الغدة النخامية والغدة الدرقية والغدة الكظرية، حيث تقوم الغدة النخامية بإفراز بعض الهرمونات ومن أهمها في هذا المجال هرمون النمو الذي يلعب دوراً كبيراً ورئيسياً كي يصل الطفل إلى الطول الطبيعي المحدد له. وكذلك فإن هرمون الغدة الدرقية له دور فعال في هذا المضمار، وللغدة الكظرية المتواجدة فوق الكلية وظيفة مهمة بسبب إفرازها لبعض الهرمونات الجنسية التي تؤثر على نمو العظم، على أنه يجب ذكر الدور المهم للتغذية الجيدة، فإن الغذاء الكامل والمتوازن للطفل من الأسباب التي تؤدي إلى نمو الطفل بطريقة سليمة، ولا يخفى ما لسوء التغذية من مضار على صحة الطفل ونموه.
ومن المتلازمات المسببة لقصر القامة ومرض السكري أيضا متلازمة تيرنر وهي اضطراب وراثي يصيب الإناث فقط ويؤثّرُ على تطور نمو البنت المصابة، وسبب ذلك هو فقدان أَو عدم اكتمال الكروموسوم الجنسي إكس. وتتصف البنت المصابة بمتلازمة تيرنر بأنها قصيرة في الشكل الخارجي، والأعضاء التناسلية لديها تكون موجودة ولكن غير مكتملة النمو، والمبايض عندها لا تَعْملُ بشكل صحيح، وتكون في الغالب عقيمة، وهي معرضة لمخاطر صحيةِ كثيرة مثل ضغطِ الدمّ العاليِ، مشاكل في الكلى، مرض السكّري، ماء العين الأبيض ونخر العظام واضطرابات في الغدة الدرقية. ومن الميزّات الأخرى المثالية لمتلازمةِ تيرنر أن تكون الرقبة قصيرة ومزودة بطيّاتِ جلدِية مِنْ أعلى الأكتافِ إلى جوانبِ الرقبةِ، وهناك انخفاض خط الشعر في الخلف، وانخفاض مستوى وضع الأذنين، وتكون الأيدي والأقدام مُنْتَفخة. وليس هناك علاج لمتلازمةِ تيرنر، ووفقاً للمعهد الوطني لصحةِ الطفلِ والتطويرِ الإنسانيِ، يتم توجيه العلاج للأعراضِ المرضية. يُساعدُ هرمونُ النمو في زيادة طول المريضة والوصولِ إلى معدل قريب من المتوسط. بدائل الهرمونِات يُمْكِنُ أَنْ تحفّزَ تطويرَ الصفات الجنسيَة. تقنيات التكاثر الاصطناعي الحديثة يُمْكِنُ أَنْ تُساعدَ بَعْض النِساءِ بمتلازمةِ تيرنر أن يحملن كغيرهن.
وهناك متلازمة بريدر ويللي وهي اضطراب وراثي في الكروموسومات متلازمة سببها اضطراب وراثي في الكروموسومِ 15 وبالرغم من كونه نادرِاً، فإن متلازمة بريدر ويللي هي السبب الوراثي الأكثر شيوعاً للسمنةِ. يتم التُشخيصُ عادة من مظهرِ وسلوكِ الطفل، ثمّ بالاختبار الوراثيِ المُتَخَصّصِ لعينة الدمّ (وجه طويل ضيق، عيون على هيئة لوز، فَمّ صغير، الشفة العليا مائلة، خدود كاملة، حول بالعينين). تبدأ الأعراضِ بفشل في النمو واكتساب الوزن بسبب ارتخاء العضلاتِ عند الرضيع بالمتلازمةِ. ثم يتطوّرُ فجأة عند الطفل ما بين 1-6 سَنَوات اهتمام كبير بالغذاءِ ويزداد وزنه. ورغم زيادة الوزن إلا أن النَمُو الطبيعي يتوقف عند هذا الطفل ويُصبحُ قصيراً بشكل تدريجي وزائد الوزن بإفراط.
يعاني هذا المريض من تأخرِ عقليِ ومشاكل التعليم، الوسوسة والهوسِ، الإلزام، ونوبات غضب مزاجِية، إضافة لتأخر النمو الجنسي لغياب أو انخفاض الهرموناتِ الجنسِية.
ليس هناك علاج لهذه المتلازمة وفقاً للمنظمة الوطنية الأميركية للاِضطراباتِ النادرةِ، ويمكن استخدام طرق خاصّةِ لإطعام الطفل لمساعدته على النمو، كما يمكن تَحسين القوّةِ بالعلاج الطبيعي والتمرين. إعطاء هرمونِ النمو البشري لتحسين كتلة ونمو العضلات.
التعليم الخاصّ وعلاج النطق يُمْكِنُ أَنْ يُساعدَا المتأخرين برفع مهاراتِهم واللحاق بنظائرِهم. أما مشاكل الوزن، فيُمْكِنُ السيطرة عليهِا من خلال طعام متوازن منخفض السعرات، مراقبة الوزنِ، منع الغذاءِ الخارجيِ، مع عمل التمرين اليومي.