راكمت إسرائيل كل الرزايا والبلايا وبصورة مكثفة خلال الأسبوعين الأخيرين، حيث قتلت في مجازر غزة أكثر من 130 فلسطينيا فيما أعلنت عن خطط استيطانية جديدة في الضفة الغربية، ومع ذلك فهي لا تتورع عن الحديث عن السلام وتتفنن في إيراد الدعاوى الواهية عن كيف إن الجانب الفلسطيني هو الذي يضع العراقيل أمام التسوية، كل ما تفعله إسرائيل من انتهاكات واضحة لما تواضع عليه العالم من خطط للتسوية، لم يحمل الآخرين على حشرها في خانة ضيقة ومواجهاتها بالعقوبات والمقاطعات، لكنها تلقى في أسوأ الحالات مجرد تأنيب من قبل رعاة السلام على هذه الدماء التي تسفكها في غزة، وفي أحيان أخرى فإن رعاة السلام يعربون عن قليل من الأسف لعزمها التوسع في المستوطنات، لكن الأفدح أن يقول بعض من هؤلاء إن ما قامت به إسرائيل في غزة لا يخرج عن كونه دفاعا مشروعا عن النفس.

بالطبع فإن كل ذلك لن يفرز سلاما ولن يفضي إلى تهدئة، بل يشجع إسرائيل على المضي قدما فيما تقوم به من جرائم، ما يعني أن السلام لا يزال هدفا بعيد المنال أو أنه مجرد فقرة أخرى في خطابات المرشحين في الانتخابات في مختلف دول العالم، وأن الحديث عنه في كثير من الأحيان هو من باب تطييب الخواطر واللعب على الوقت الكفيل بتهدئة النفوس بين مجزرة وأخرى.

ومن المؤسف حقاً ممارسة مثل هذه المسرحيات الهزلية المبهمة تجاه شعب يموت كل يوم بدلا من تكفيف دموعه، ومخاطبة عقله بالطريقة التي تقنعه بأن هناك من يهتم بمصيره ويتألم للفواجع اليومية النازلة به ويقدم له أملاً حقيقيا في الخروج من هذه الدوامة الدموية التي تحصد أرواح أبنائه يوماً بعد الآخر.

هناك بالطبع الاحتقان المتنامي في الصف الفلسطيني والانقسامات المتزايدة التي تشكل فرصا أمام إسرائيل لأعمال تدخلاتها من أجل زيادة حالة الفرقة والتشتت الفلسطينية، وسيكون من الأوفق والأولى أن يسارع الفلسطينيون إلى الخروج من هذه السلبيات التي تعوق عملهم المشترك وتصديهم للعدوان، وإلا فإنهم سيظلون مكشوفين أمام آلة الحرب الإسرائيلية التي تستفرد بالفصائل واحدة تلو الأخرى إلى أن تقع كافة الفصائل تحت سطوة السلاح الإسرائيلي المتفوق.