Al Jazirah NewsPaper Thursday  13/03/2008 G Issue 12950
الخميس 05 ربيع الأول 1429   العدد  12950
داء الكبر: الشخصية الإسرائيلية نموذجاً
عبد الله بن محمد السعوي

مؤدى الجذر الدلالي لمادة الكبر كمفردة مثقلة بدلالات الازدراء، وكخلة ذات طبيعة استصغارية موجبة - بفتح الجيم - لموجب - بكسرها - شعوري يشتغل على تقدير زائف للذات، وإدراك مرضي خادع لكينونتها، هو أحد الخطوات الباعثة على الانحدار.

والمحفزة على السير باتجاه معاكس لما تمليه حقيقة الأشياء. المتكبر دائما يضع لذاته عن ذاته، ذاتا وهمية، فهو يقرأ ذاته، على نحو مجاف، للصواب؛ الكبر كضرب من النظرة الاستعلائية، والشعور المفعم بالتعالي المفرط - إن صراحة أو ضمنا - ليس إلا إفرازا آلياً لتركيبة سيكولوجية متدثرة بغشاء حاد الرقة من التظاهر والالتواء المزدوج. إن داء الكبر بالإضافة إلى أنه تعبير دقيق عن كثافة الخواء، فهو منهك التكلفة كثير العبء على المستويين الشعوري والفعلي، فالمتكبر يموضع ذاته - بفعل ادعاءاته العريضة الفارغة المحتوى - دائماً تحت المجهر، فهو بقدر ما يتفانى في سبيل التمظهر بصورة متميزة، وبقالب له محدداته النوعية، عليه أيضاً أن يستميت لتجسيد ما يزهو به، وترجمة ما يدعيه من مشخصات، يثقل كاهله موقعتها، ولو بأدنى درجاتها، فهذا شأن دونه خرط القتاد. يبدو أن ثقافة الكبر تسربت إلينا بكثافة مقلقة جراء تنامي الطابع المادي المخيم على واقعنا راهننا على نحو تخلق جراءه تمايزات طبقية، أفلحت في توتير السيكولوجيا الكلية، وإشاعة حالة احترابية، من معادلات التعالي البيني المتبادل. المتلبس بداء الكبر شديد التمركز الأنوي حول أناه التي تتضخم زورا فهو لا يعي من الضمائر إلا ضمير الذات الذي يحسر من فعالية الفردبل ويحيله إلى معول تقويض، ومصدر لإذاعة التعالي المأفون في بيئته المحيطة.

الكبر كمسلك رجيمي الطابع ينهض على مفهوم ثنائي يتضمن بالضرورة متكبرا، ومتكبرا عليه داء وبيل يجتاح الفرد كما يجتاح المجتمع بأسره قاطبة، والذي هو في نهاية الأمر مكون من أفراد؛ الحضور الباذخ لثقافة الاستكبار يعاين جليا في المجتمع الإسرائيلي فالصهاينة بطبيعتهم يحتقرون من عداهم بفعل اليقينية التي توافروا عليها، مذ درجوا في مدارج الوعي فالمناهج المدرسية الإسرائيلية، كما يؤكد الصحفي الحر غير المتحيز (مورين ميهان) في أحد مقالاته - غارقة في بحر الكراهية للعرب وموغلة في تقديس الأنا على نحو يغذي الذهنية اليهودية بعقدة التفوق على سواهم من شعوب العالم وفي كتاب (وجه قبيح في المرآة) للبروفيسور الإسرائيلي (أديركوهن) يؤكد فيه أن الطفل اليهودي يحقن بجرعات مكثفة ومتتابعة، وبآلية ممنهجة من الشنآن لكل ما هو عربي، على هذا النحو، يبرمجون أطفالهم، ويؤصلون فيهم الإحساس المطلق بالتفوق. وقد قامت الدكتورة (صفاء محمود عبدالعال) بدراسة واسعة للمناهج الصهيونية، في كتابها (تربية العنصرية في المناهج الإسرائيلية) وقد خلصت إلى نتيجة راسخة مفادها، أن ثمة قيماً تربوية، وتعبئة عنصرية يجري تجذيرها في ضمير النشء الإسرائيلي الذي يجري تعاهده دائما بإذكاء أوار العنصرية ومضاعفة حدتها! التصنيم الفانتازي للشخصية اليهودية متأصل في العقل الباطن لا يعاينه إلا هم، ولذا فهم يعتقدون أنهم بلغوا مرتبة عليا تتقاصر دونها الأمم الأخرى عن بكرة أبيهم!، إن تغلغل العنصرية في الوجدان اليهودي والتمادي في المنحى الشوفيني أقر في أخلادهم تميز النوع اليهودي وبزّه من عداه من (الأغيار)، ومن المفارقات المثيرة للعجب أن اليهود ينددون بالعنصرية النازية في الآن الذي يمارسون فيه أعلى درجات التبجح العنصري فهم يرون أنهم أرباب مميزات جنسية وعقلية وحضارية، وأنهم النخبة المصطفاة التي فاقت ال(جوييم) الأمميين الغوغائيين!!، إن موقف العقلية اليهودية من الشعب العربي بل وحتى من اليهود العرب إنما هو مستوحى من الرؤى العنصرية التي تولي كبر المناداة بها (فاشردي لابوج) الذي فسر العلاقات بين الأجناس على أساس بيولوجي اجتماعي كما يزعم أن الطبقات غير البيضاء هي من سلالة الوحوش غير المؤهلة للحياة المتحضرة حتى في أدنى مستوياتها. وغير خاف أن المفكر اليهودي (موسى هس) قد أسس فكرة الصهيونية كحركة عنصرية متطرفة على اعتبار أن العرق اليهودي متميز بطبيعته وأن له سمات بيولوجية تميزه عن خلافه. هذا التأصيل الأسطوري للدال في الأدبيات الصهيونية هو الذي يدفعهم لازدراء الشعوب الأخرى وخصوصاً العرب والنظر إليهم بدونية، حيث يرون أنهم حتى ولو انتسبوا (لإبراهيم) عليه السلام فإنهم أبناء الجارية (هاجر) في حين أنهم - أي اليهود - أبناء الحرة (سارة)!.

إن تصاعد المشاعر العنصرية، والانكفاء على أدبيات موغلة في مستنقع الكبر ومستوحاة من التراث الديني المحرف ولد لديهم مفهوما فحواه، أن ليس ثمة جدير بتبوء مقام الاصطفاء إلا ذواتهم النقية!، أما مقام الخيرة حيث محل الاختيار الإلهي فهو ليس إلا الأفق السامق الذين هم الأخلق به!، لا بفعل توافرهم على مؤهلاته، - فلا قوام لمثلهم به - وإنما بسبب من الانتفاش البالوني الرهيب الذي هو فحسب جواز العبور المتوهم؛ الشخصية العبرية الرازحة، تحت وطأة الفيروس العنصري مع أنه يعييها إيجاد مسوغ للتميز، مهما باشرت من عمليات التنقيب للبحث عن أيما عامل يعزي له منطقية التفوق إلا أنها مع ذلك يعتريها إحساس متعاظم بأنها خارج التاريخ (وبأن القوانين التاريخية التي تسري على الجميع لا تسري عليهم) انظر (عبدالوهاب المسيري) موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية)2-77 وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدكتور (عبدالوهاب المسيري) والدكتور (حسن ظاظا) رحمه الله من أبرز من حفلوا بالصهيونية، وانصرفوا إلى دراستها في بعدها العنصري؛ إن (التلمود) ذلك السفر المقدس، في الذهنية العبرية، يقسم الجنس البشري إلى قسمين: اليهود وهم السادة، والآخرون وهم العبيد.

إن من يتفوه بمفردة نقدية ضد بني صهيون، ولا يقارّ لهم فيما يزعمونه، سيجد ذاته مباشرة مصنفة تحت لافتة اللاسامية - أنتي سيميتزم، التي باتت أداة فعالة في يد اليهود لمضاعفة، دائرة مكتسبهم السياسي هذه التهمة، آضت مثل (الهرطقة) التي كانت المسيحية في الزمن القروسطي توزعها على كل من يندد بأفعال الكنيسة أو يحجم من تسلطها، وأيضا في راهننا المعاصر باتت تهمة الإرهاب هي التهمة الهلامية التي توظفها الولايات المتحدة الأمريكية ضد كل من يناوئ مشاريعها الامبريالية وطموحها الإمبراطوري.

إن ثمة بعض الأكاذيب عندما تجري زخرفتها، تكون ذات قدرة عالية على التأثير على المستوى العالمي.

وخصوصا إذا كان ثمة من ينفخ فيها، ويشتغل على إذاعتها، ويملك تجسيد سلطة تفعيلها على أرض الواقع، ومن تلك الأكاذيب الكونية الأسطورية الخاضعة دوما للتوظيف السياسي كذبة (الهولوكوست) النازية إبان حكم (هتلر) حيث يجري الاشتغال السياسي على تمديد أفق هذه الأكذوبة التاريخية، لكي يحاط الكيان الصهيوني بحالة من الاستثنائية القانونية، وكتبرير للقفز فوق قوانين الأمم المتحدة، ولتسويغ دعم الولايات المتحدة له، ولتحقيق منتهى أربه التوسعي.

إن من يتجرأ ويناهض هذه الاسطورة، فسينال جزاءه كما حصل للمفكر الفرنسي (روجيه جارودي) بسبب كتابه الذي أحدث ردود أفعال على نطاق واسع (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) حيث أكد فيه عدم واقعية الهولو كوست فشن عليه اللوبي الصهيوني حملات شعواء وهجوما مسعورا حوكم بمقتضاه بناء على قانون (غايسو) الفرنسي الذي قنن لمحاكمة كل من يسلك هذا المسلك الانتقادي، ومثله أيضاً المؤرخ البريطاني (ديفيد إيرفينع) الذي حوكم بموجب سفره الذي نال شهرة نائية المدى والموسوم ب(حرب هتلر) ولا يقل عنهما الكاتب البريطاني اليهودي الأصل (فنكلستين) الذي تعرض لحملة دعائية تهييجية جراء ما أفصح عنه في كتاب (صناعة الهولوكوست) وتأكيده أن اليهود يشتغلون على استقطاب الأموال واستعطاف الدول العظمى من خلال هذه الكذبة الميثولوجية. أخي القارئ الكريم أستبيحك العذر وآمل أن لا يطالك كبير أذى إبان قراءتك لما في هذه السطور القادمة، والتي تسفر عن حقيقة الاحتقان العنصري في أعلى أحواله، حيث يصف (مناحم بيجن) رئيس الوزراء الأسبق الفلسطينين بأنهم بعوض في مستنقعات وأنه يحبب رشهم بمادة قاتلة. وينعت (عوفادبايوسف) كبير الحاخامات في إسرائيل العرب بأنهم أفاعٍ سامة وقد وصف (بيرس) العرب في مؤتمر (دافوس) بأنهم محيط من القذارة تحيط بواحة الديمقراطية المتألقة. يقصد بذلك إسرائيل.

ويذهب رئيس أركان الحرب الإسرائيلي سابقا (ايتان) إلى أن العرب ليسوا إلا صراصير في زجاجة مغلقة. هكذا بهذه البساطة، وبهذا النمط من العفن القولي المتكلس، والمكتظ برؤى المفاصلة، تتعاطى الايديولوجية العبرية، مع الآخر بحسبه شر محض لا مناص من وأده، أو على أقل تقدير وصمه بمآخذات تودي به - في نظر العالم - في أتون الانحطاط الحضاري!.



abdalla_2015@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد