Al Jazirah NewsPaper Thursday  13/03/2008 G Issue 12950
الخميس 05 ربيع الأول 1429   العدد  12950
قوامة الرجل على المرأة بين الإفراط والتفريط
د.عبد الوهاب بن منصور الشقحاء

القوامة في اللغة كما ورد في لسان العرب في مادة ق.و.م بأنه قد يجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح، ومنه قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء...}، وقال ابن الأثير: (القوم) في الأصل مصدر (قام) ثم غلب على الرجال دون النساء، وسموا بذلك لأنهم قوامون على النساء بالأمور

التي ليس للنساء أن يقمن بها، ومنه قيِّم القوم وهو الذي يسوس أمورهم.

وتُعرَّف القوامة في الاصطلاح بأنها: (ولاية يُفوض بموجبها الزوج تدبير شئون زوجته، والقيام بمصالحها)، وأصل قوامة الرجل على المرأة قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ} وسبب نزول هذه الآية أن سعد بن الربيع أحد نقباء الأنصار لطم زوجته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير عندما نشزت عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القصاص) فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارجعوا هذا جبريل أتاني) فنزل قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}(سورة النساء 34)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أردنا أمراً وأراد الله أمراً وما أراد الله فهو خير) تفسير البحر المحيط لأبي حيان 3-238 وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 1-503 بتصرف.

ويرى الإمام البيضاوي أن سبب قوامة الرجل على المرأة أمران:

الأول : ما وهب الله الرجل من كمال العقل، وحسن التدبير ومزيد القوة في الأعمال والطاعات، ولذلك خُصَّ الرجلُ بالنبوة، والإمامة، والولاية، ووجوب الجهاد، والجُمعْ، بخلاف المرأة فلم تختص أو يجب عليها شيء من ذلك.

الثاني : بما أوجب الله على الرجل للمرأة من دفعه للمهر للزواج منها، والنفقة الواجبة لها عليه، وفسر الإمام ابن كثير آية القوامة {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء }بقوله: أي الرجل قيَّم على المرأة، أي هو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجب، وجاءت أحاديث كثيرة يأمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بطاعة زوجها ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صَلَّت المرأة خمسها وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: أدخلي الجنة من أي الأبواب شئت) قال ابن عباس رضي الله عنه: (قوامون مسلطون على تأديب النساء في الحق) البحر المحيط 3-239 وقال الإمام الشوكاني: قوَّامون: (المراد أنهم يقومون بالذب عنهن كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعية، وهم أيضاً يقومون بما يحتجن إليه من النفقة والكسوة والمسكن) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (النساء لحمٌ على وضمٍ إلا ما ذُبَّ عنه) ونقل ابن الأثير عن الأزهري قوله: (فشبه عمرُ النساءَ وقلة امتناعهن على طلابهن من الرجال باللحم ما دام على الوضم، والوضم الخشبة التي يوضع عليها اللحم تقيه من الأرض، وبالنسبة إلى النساء فإن الرجال هم الذين يمنعون عنهن الأعداء والاعتداء والدنية)، وقد استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على جواز فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن نفقة زوجته وكسوتها، وبه قال مالك والشافعي. فتح القدير 2-460 - 461 .

والقوامة للرجل على المرأة لا تعني نقصان المرأة عن الرجل في الحقوق والواجبات الملقاة على عاتقها في رعاية الأسرة إنما تعني توزيع الاختصاصات في كيان الأسرة واختصاص الرجل بالقوامة التي هي قيادة الأسرة ودليل مساواة المرأة للرجل في الحقوق والواجبات قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} (سورة البقرة 228)، أي ولهن على الرجال مثل ما للرجال عليهن فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف وفي حديث بُهز بن حكيم عن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده أنه قال يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا قال صلى الله عليه وسلم: (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تُقبح ولا تهجر إلا في البيت)، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة لأن الله يقول: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1-278 والدرجة هي القوامة في قيادة الأسرة وتدبير شؤونها وحماية المرأة والذب عنها وما ذاك إلا أنها كالجوهرة المصونة التي يجب أن يُحافظ عليها وتُحمى من أعدائها وألدهم من يطلب منها أن تزاحم الرجال وتخرج إلى مجالات العمل المختلطة ليتم إهدار كرامتها وأنوثتها بدلا من التفرغ لما خلقت له من رعاية الأولاد وتهيئة الجو المناسب لهم ولزوجها القيم عليها، وما اختصها الله به من حمل وإرضاع وتدبير شؤون بيتها ورعايتها مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلهم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. والمرأة راعية ومسؤولة في بيت زوجها) رواه البخاري.

وحدود قوامة الرجل مختصة في شؤون الأسرة فقط، إذ ليس للرجل فرض وصايته على المرأة في تصرفاتها المالية كالبيع والشراء، والهبة والوقف وغيرها من الحقوق الطبيعية لكل إنسان، وليس لها حق طاعته في معصية الله، كما أن مفهوم القوامة في الشريعة الإسلامية للرجل على المرأة لا تعني استبداد الرجل أو تسلطه على المرأة وحرمانها من حقوقها المشروعة بل تعني تحمل الرجل تبعات الإنفاق على المرأة وتأمين العيش الكريم لها، وصيانتها عن الابتذال وطلب الكسب والرزق إذا لم تسنح الفرصة المناسبة لها في ذلك وفق الضوابط الشرعية.

ومما تقدم يتضح أن مسألة تطبيق قوامة الرجل على المرأة في عصرنا الحاضر في الأغلب بين طرفي نقيض إما الإفراط في فرض قوامة الرجل بصورة غير صحيحة من تهميش لدور المرأة في المجتمع، وفرض الوصاية الكاملة عليها بالتسلط عليها والتعنت والمصادرة لشخصيتها واستلاب حقوقها التي شرعها الله لها، أو التفريط في اعطائها حقوقاً تعود على كيان الأسرة بالتفكك والانحلال وذلك باعطاء المرأة كامل الحرية بالاختلاط والتبرج ومزاحمة الرجال في الأعمال التي لا تناسب طبيعتها وإلغاء قوامة الرجل عليها وتطبيق النموذج الليبرالي الذي لا يُعيرُ أي أهمية لدينٍ أو خُلُق.

باحث متخصص في مجال حقوق الإنسان والعدالة الجنائية.



dr-a-shagha@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد