Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/03/2008 G Issue 12955
الثلاثاء 10 ربيع الأول 1429   العدد  12955
شيء من
الملك والحرية والنقد
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

الكلمة التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله بمناسبة افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى، تعطي إيجازا مختصراً لرؤيته الاستراتيجية في التعامل السياسي في الداخل، وتؤكد أن (الحرية) الفكرية التي تمر بها المملكة في عهده الميمون ليست أمرا مرتجلا أو عارضا، بقدر ما هي سياسة تتفق مع فكره وفلسفته وتعامله مع نفسه أولاً، ومع الناس ثانياً.

يقول في كلمته: (الحرية تكون في التفكير، و(النقد الهادف) المتزن، والمسؤولية أمانة لا مزايدة فيها، ولا مكابرة عليها، فبها -بعد الله- نصون حريتنا، ونحدد معالمها، ونقول للعالم هذه قيمنا وتلك مكارم أخلاقنا التي نستمدها من ديننا).

أي أن حرية الإنسان (المنضبطة)، والنقد الهادف، هما من حقوق المواطن، وفي الوقت ذاته جزءان لا يتجزآن من حرية الأوطان. وهما -كما أشار بمنتهى الوضوح- شرطان ضروريان للشموخ والعزة والتفوق، ومطلبان من مطالب زمن لا مكان فيه للضعفاء والمترددين. هذه (الإيماءات) تحمل في مضامينها خطاباً جديداً، ولغة جديدة، وروحا جديدة في خطابات القمة السعودية، لا يملك المراقب إلا أن يتوقف عندها. فإيحاءات المكان (مجلس الشورى)، أو محل صناعة الأنظمة، وإيحاءات الزمان (العقد الأول من القرن الواحد والعشرين)، تبلور أهمية هذا الخطاب، وتشير إلى أن الملك عبدالله يدرك وبوضوح أن الزمن الذي نعاصره يحتاج إلى روح جديدة ليست لضرورة (البقاء) فحسب، وإنما لضرورات النمو والتطور، تختلف عن متطلبات الأمس وإن كانت امتداداً لها. وهذه الروح على ما يبدو -إحدى أسس المرحلة القادمة- هذا ما أشار إليه حفظه الله بمنتهى الوضوح.

وعن نفسه يقول: (يشهد الله تعالى أنني ما ترددت يوما في توجيه النقد الصادق لنفسي إلى حد القسوة المرهقة، كل ذلك خشية من أمانة أحملها هي قدري وهي مسؤوليتي أمام الله - جل جلاله - ولكن رحمته تعالى واسعة، فمنها استمد العزم على رؤية نفسي وأعماقها).

وهو هنا يجعل من نفسه -وهو الرجل الأول في البلاد- نموذجا للمسؤول الذي يحاسب نفسه بقوة قد تصل إلى حد القسوة المرهقة كما جاء بالنص في الخطاب. فالذي يريد أن يقوله -حفظه الله- أن الذي لا يحاسب نفسه ويقومها بين الحين والآخر، لا يمكن أن يحاسب الناس وهو يسوسهم. وهي رسالة موجهة بكل وضوح إلى من يتولون مسؤولية التعامل مع الناس من مسؤولي الدولة ممن هم في السلم السلطوي دون الملك.

ومن أي زاوية نظرت منها إلى هذا الخطاب وجدت فيه رسائل متعددة، للمواطن والمسؤول على حد سواء، تحملُ الكثير من المعاني التي تجعل المواطن الفطن يطمئن على أن قيادة هذه البلاد ترسخ مفاهيم وقيم ومثل جديدة تتناسب مع العصر وتواكب متغيراته.

ميزة الملك عبدالله تكمن في أنه يقف في مقدمة الركب، ليقود الركب، ولا يقف في المؤخرة فينقاد لما (يقبله الناس) وما يفرضونه. وإذا كانت مواكبة العالم ومقتضيات العصر أهم ميزة من مميزات الموحد الملك عبدالعزيز رحمه الله، فنحن نجدها بمنتهى الوضوح في الملك عبدالله كذلك. وهؤلاء هم قادة الدول الحقيقيون.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد