Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/03/2008 G Issue 12962
الثلاثاء 17 ربيع الأول 1429   العدد  12962
أحمد مطلوب وجائزة الملك فيصل العالمية (2/2)
د. حسن بن فهد الهويمل

وهو في كتابه (في المصطلح النقدي) الذي نشره المجمع العلمي العراقي عام 1423هـ - 2002م يجمع أشتاتاً من البحوث التي سبقت هذا التاريخ، ورصدت لمواقف معرفية متعددة، دارت محاورها حول

(المصطلح النقدي) و(إشكاليته) وبخاصة المصطلح المعاصر، و(النقد البلاغي) و(النقد التكويني) وسائر الظواهر والقضايا الحديثة، وهمه فيما يكتب يدور حول ما يتطلع إليه من إنجاز مشروع معجمي، يجمع شتات المصطلحات المتناثرة والمتناسلة، متوخياً اجتماع كلمة النقاد، وخلوصهم من التنازع حول الصيغ والمفاهيم والمشروعية. وهو يرى أنه من الضروري أن يصدر النقاد من مورد صاف، ونهج عربي سليم.

وهو بهذه البحوث لا يتوخى قضية واحدة، وإنما يحاول الخروج بصيغة أو مشروع، يرضي كل المسكونين بهم المصطلحات، ولا يأتي ذلك إلا من خلال الرصد الدقيق للظواهر والقضايا المشتركة، واقتفائها بالدرس والتأصيل. لقد درس المشاكل الناجمة عن فوضوية الترجمة، وتعدد الانتماءات، وتوخى التأصيل لعلم مصطلحي، يجمع الكلمة، ويوحد المفاهيم، ويؤلف كلمة النقاد ولأن البحوث أعدت في فترات متفاوتة، وجاءت استجابته لمثيرات متباينة ولأن كل بحث ينهض بمهمة ولا ينظر الى ما سبق من بحوث، فقد يلحظ القارئ شيئا من التكرار في بعض القضايا التي تناولها الباحث. والبحوث بمجملها تعالج قضية واحدة، تتعلق بإشكالية (المصطلح النقدي)، بوصف البلاغة العربية آلية من آليات النقد، وليست علماً مستقلاً كما يحلو للبعض، وإن عمد الدارس إلى التفريق بين مصطلحات (النقد) و(البلاغة) وإصدار كل مجموعة في معجم مستقل في ظاهره التفرق وفي باطنه الاختلاط، إذ هناك مئات المصطلحات المشتركة بينهما، واشكالية التفريق بينهما لم تحسم بعد، وان اتفقت الآراء على ذلك.

ولا شك أن التردد في الخلط بينهما عوق العمليات النقدية، ولعل البلاغيين لا يرضون لأنفسهم أن تكون البلاغة آلية من آليات النقد، ولو أنهم قبلوا الحق، وأذعنوا له لكانوا نقادا يميلون كل الميل للآلية البلاغية، مثلما يميل الألسنيون إلى اللغة ولو أن البنيويين والألسنيين والأسلوبيين رضوا أن يكونوا من علماء (فقه اللغة) لما كان لهم شأن يذكر. وحديث المؤلف عن المصطلح، حمله على التوطئة والتمهيد المتمثلين بالتعريف التراثي للمصطلح والاهتمام المبكر بالتعريف بكافة الظواهر الأدبية، وسهولة التلاقي على المقتضى والمفهوم، متى وضحت معالمهما.

وبعد تحرير المفهوم والرصد التاريخي تناول في المبحث الثاني (إشكالية مصطلح النقد العربي المعاصر)، وهو عبارة عن بحث نشر في مجلة المجمع عام 1419هـ وقد رد الإشكالية إلى فوضى التأليف والترجمة، بوصفهما أس المشاكل المعرفية عامة، ولكنه عمد إلى تفكيك الإشكالية متجاوزاً محاورها الرئيسة، فنظر إلى الاختلاف في الثقافة، وتنازع الهيمنة بين الاستغراب والعوربة، واستفحال الاضطراب والتسطح، وانعكاس الاختلاف الأوروبي على المستغربين العرب، وتفاوت المستويات اللغوية عند المترجمين. وقد برهن عن فداحة الإشكالية بضرب الأمثال، وأفاض منها إلى إشكالية المصطلح القديم، وركز الحديث على تضارب الآراء حول (الأسلوب) و(الشعرية) و(الحداثة).

وهو حين يتحدث عن (الأسلوب) يرى الإشكالية قائمة في التعريف، ولما يشأ الحديث عن رحلة النقد اللغوي من (فقه اللغة) إلى (النقد الأدبي) ووقوع المقترضين في التسليم المطلق للآلية اللغوية على حساب ما سواها، مع أن التصور بين القديم والحديث متقارب، ومن ثم فلا إشكالية وتصور القدماء واضح وسليم ولكن منشأ الإشكالية عند المحدثين الذين يتلقون فيوض المستجدات، وفي فوضوية الترجمة، وعبث التبني وتسطح الفهم وقد أشار المؤلف إلى بعض ذلك بقوله (... هذه التعريفات لا توضح معنى الأسلوب... لأنها انطلقت من وجهات نظر متفاوتة) وقد ساق تساؤلات تدل على حيرة المتلقي، وكيف يتصور نفسه، وهو يرى الأسلوب وقد شكل (حبل التواصل وخط القطيعة) مع البلاغة، ولم يحاول الركون إلى الجدية في تحديد المشكلة، وكأني بالمؤلف يتحفز للأثرة ليجعل (الأسلوب) مفردة بلاغية لا ظاهرة نقدية.

وفي حديثه عن (الشعرية) بوصفها إشكالية من إشكاليات النقد الحديث التمس جذورها في النقد القديم، وإذا لم يجدها بنصها، وجدها بمرادفها وبمفهومها فالتراثيون قالوا عن (الشاعرية) و(القول الشعري) غير أن المعاصرين لهم رؤى متعددة لمفهوم (الشعرية)، أو قل لمقتضياتها. وقد جعل من تعدد التصورات إشكالية مفهومية، وأحسب أن ربط (الشعرية) ب(الانزياح) أو (الانحراف) أو ب(الفجوة) ربط وصفي لا تعريفي، أو أنه ضمني، فكل متحدث عن (الشعرية) بعد تصورها تصورا عاما، يحيل تصوره أو قل يقربه بالمثل أو بالوصف ف(الانزياح) اللغوي مثلا قد يؤدي إلى (الشعرية) ولكنه لا يكونها، إذ هو وسيلة للتوفر عليها، وقد لا يكون مؤدياً إليها بالضرورة، ثم هو قد ربط مصطلح (الشعرية) ب(عمودية الشعر) وبأبوابه السبعة المتداولة عند النقاد المتأخرين، معتبرا تلك الأبواب أسس الشعر العربي، وعندما تكونه فإن الصناعة تحققها، ولكن الموهبة والموقف والدربة وعمق الثقافة وسلامة التصور هي التي تحقق (الشعرية) ذلك أن توفر الشرط الشعري كالوزن والقافية لا يحققان الإبداع الشعري.

ولك أن تقول عن حديثه عن (الصورة الشعرية) وهو بحث نشره في مجلة المجمع عام 1419ه. وأحال فيه إلى الرؤية التراثية عند طائفة من الأدباء ك(الجرجاني) و(القرطاجني)، وعند المعاصرين من عرب وعجم، ولكنه ربطها في المذاهب الإبداعية ك(الرومانسية) و(البرناسية) و(الرمزية) وقصد من هذا الحشد ما يعكسه من حيرة، ولكنه جنح إلى أوفاها وأخصرها وهو تعريف (دي لويس): (رسم قوامة الكلمات) ولعل (نزار قباني) أخذ الفكرة حين أصدر ديوانا تحت عنوان (الرسم بالكلمات). وهو يرى أن تشكيلها يعتمد على (المحاكاة) و(الخيال) لأنهما العنصر والخطوط، ولربما دخل في دوامة الإشكالية حين استدعى (المحاكاة) كما هي عند (أرسطو) و(أفلاطون) و(هوراس) حول إسقاط عالم المثل، بحيث جعل الشعر عنده محاكاة، ولما انتقل مصطلح (المحاكاة) إلى الحضارة العربية قسموه إلى (تشبيه) و(استعارة)، ويبدو لي أن تصور الأدباء والنقاد العرب لبعض المصطلحات اليونانية لم يكن دقيقا، ومن ثم لم يأتوا بمعادل عربي، وبعض النقاد أخذته سوفسطائية الفلاسفة فأمعن في التشقيق والتقسيم ك(القرطاجني) الذي ضاعف التقسيمات حسب المقاصد، وإذا كان (ابن سينا) قد جعل المحاماة في (التشبيه) و(الاستعارة) فإن (القرطاجني) ذهب إلى (التحسين) و(التقبيح) و(المطابقة) وعلقهما بالفاعل أو الاعتقاد، أو بالفعل، ثم نظر إلى طرق التعلق، وهي: الدين، والعقل، والمروءة والشهوة. وهذه السفسطة عمقت إشكالية الصورة.

وتحدث عن (الخيال) بوصفه معادلاً (للمحاكاة) في تشكيل الصورة، وجعله الملكة المساعدة على تأليف الصور. وقد حاول الربط بين (الخيال) و(الوهم) والتخييل في نظر العلماء أساس الشعر، وتلمس تصوره عند المتصوفة ك(ابن عربي) وعند الفلاسفة. ولكنه عاد أدراجه إلى النقاد العرب المعاصرين ملخصاً بسطه بمقولاتهم عن (الخيال، والمحاكاة) فهي الأساس والأجنحة، فالشعر ليس وزنا وقافية، إنه تخييل وحسب.

وفي حديثه عن (الحداثة) بوصفها مصطلحا مراوغا كانت له استطرادات تخرج من قضية المصطلح ثم تعود إليه، وقد استهل الدراسة بمعوقات الثقافة العربية المتمثلة بالأحاديثة والتقليدية والتوقف، ووقوع الأواخر بالذوبان فيما حاول الأقدمون تمثل الثقافات. ولأن المصطلح مراوغ فقد جاء المصطلح معبرا عن حداثات متعددة، ولقد أرجع ذلك إلى عدم دقة الترجمة، وكلمة (الحداثة) ليست هي الترجمة الحرفية للمصطلح في اللغتين (الإنجليزية) و(الفرنسية) وهما (الحداثية) و(الحداثانية).

والدارس التقط عشرات المقاصد والتعريفات وخلص إلى إشكالية المصطلح التي عبّر عنها ب(إشكالية فهم الحداثة فهما علميا دقيقا) وإذا كانت معقدة في الغرب فإنها مضطربة عند العرب. وقد أحسن في تصور بعض بواعثها المتمثلة ب(البوهيمية) والغربة الذاتية والفكرية والسلوكية.

وهو في تلمسه لجذورها العربية عول على حركة التجديد والصراع بين القدماء والمحدثين في العصر العباسي، وأحسبه في هذا التصور يقع فيما وقع فيه غيره من فهم غير سديد للحداثة، ذلك أنها بمفهومها الحديث لا تعني التجديد، والنقول التي صدّر بها دراسته تؤكد ذلك، ولكنه لم يراع هذه الرؤى الغربية التي تفصل الحداثة عن التجديد، والذين فهموا الحداثة على غير مراد الغرب، والماكرون الذين يودون تسويغها يستدعون (بشار بن برد) و(أبا النواس) و(أبا تمام) والناقد (الصولي) بوصفهم عمد الحداثة العباسية.

ولا شك أنه يقول عن الحداثة المجددة، ولا يرى الحداثة المنقطعة، ولهذا وصف حداثة الغرب بأنها (هدم وخروج على الأدب الذي يبني ولغته التي تبدع) وهو بصدد تعقب هذا اللون من الحداثة نقب عنها في كتب (أدونيس) وخاصة (الثابت والمتحول) و(زمن الشعر).

والدراسة تعويل على مقولات الحداثيين أنفسهم وعلى الدارسين لها المندفعين والمتمنعين، ويكفي أنه رجع إلى أكثر من أربعين مرجعاً حديثاً، ووفق في التقاط مواطن الشواهد، وساقها بوصفها شاهداً من أهلها.

ومجمل أعمال الأستاذ الدكتور أحمد مطلوب ذات طابع علمي والتزام منهجي وتوثيق مرجعي، وتناوله للظواهر الحديثة والقديمة يحيل فيه إلى التراث والمعاصرة، ويستفتي فيه ذويه، حتى إذا تحررت المسائل أمامه، عقب بما يراه وإسهاماته في خدمة المصطلح تشكل نقلة معرفية ومنهجية، ومتكؤه البحث والتنقيب والعمل الدؤوب.

ولقد جاء معجماه في غاية الدقة والشمول والمعرفية، والملاحظات التي تمنينا تلافيها لا تمس جوهر العمل، ولما يزل يحمل هم التعبير المصطلحي، ويسعى جهده لاستكمال ما يراه من نواقص المشروع الاصطلاحي.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5183 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد