Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/03/2008 G Issue 12962
الثلاثاء 17 ربيع الأول 1429   العدد  12962
لكي يكون نظام الرهن العقاري نعمة لا نقمة
د. عقيل محمد العقيل

سامي.. مواطن يشتكي إلى صاحب المكتب العقاري ارتفاع الإيجار بشكل لا يُطاق، خصوصاً وأن الزيادات غير معقولة ومقرونة بزيادات كبيرة في أسعار المواد الغذائية. سامي الذي جاء بناءً على إشعار بزيادة الإيجار من قبل المكتب بتوجيهات من مالك العقار يقول: لم أعد قادراً على الإلتزام بسداد أقساط السيارة التي كنت قادراً على سدادها قبل ارتفاع الإيجارات التي أصبحت تلتهم نصف راتبي، فتراكمت عليَّ الديون، فكيف لي أن أتعامل مع هذه الزيادة الجديدة؟!

أحد الجالسين قال له: الله يعينك والقادم أصعب، خصوصاً إذا صدر نظام الرهن العقاري، حيث سيرتفع الطلب على المساكن بشكل كبير دون وجود عروض تكافئه. فقلت في نفسي هذا صحيح فقاعدة العرض والطلب الأزلية ستعمل في هذا الحال وسترتفع الأسعار تلقائياً، وهو ما يستدعي تحفيز القطاع العقاري الخاص لإنتاج كميات كبيرة ومتنوعة من الوحدات السكنية في أسرع وقت ليجد الراغبون بشراء مساكن لهم من خلال نظام الرهن العقاري عروضاً كثيرة ومتنوعة تحد من ارتفاع أسعارها التي لازالت تتزايد لأسباب عديدة.

وهنا قلت للحضور: ألا يُعَدُّ صدور نظام الرهن العقاري الذي يُمكِّن المواطنين من شراء المساكن الملائمة بضمان دخولهم الشهرية حافزاً للقطاع العقاري لإنتاج المزيد من الوحدات السكنية لموازنة المطلوب والمعروض؟ فقالوا: كلامك صحيح إلى حدٍ ما، وسينعكس هذا على الأفراد الذين ينتجون أعداداً بسيطة من المساكن، أما الشركات المطورة الكبيرة القادرة على الإنتاج الكبير الذي يوازن العرض والطلب فهي نادرة، فكبار العقاريين من أصحاب المليارات ما زالوا يفضلون العمل في تطوير الأراضي البيضاء والمضاربات عليها، نظراً لأرباحها الكبيرة مقارنة بالجهود المبذولة والهياكل المطلوبة.

وعلى الرغم من قناعتي بأن رواد المكتب العقاري مستثمرين وملاكاً ومضاربين وعاملين ومشترين تسيطر عليهم الانطباعات الشخصية بعيداً عن لغة الأرقام والدراسات والنظرة الشمولية للاقتصاد المحلي، توجهت لهم بسؤال تطغى عليه الأكاديمية نوعاً ما، فقلت لهم: وما هي أسباب ندرة الشركات العقارية المطورة الكبيرة القادرة على الإنتاج الكبير؟

ما لم أتوقعه هو شمولية الإجابات وموضوعيتها، فلقد شخص هؤلاء الممارسون الأسباب بما يستقونه من معلومات مباشرة من السوق ومن معاناتهم ومعاناة زملائهم للولوج في هذا النشاط الذي يحتاج لقدرات فنية كبيرة ونادرة، حيث أكدوا بأن ضعف - وإن لم يكن انعدام- الحوافز، وكثرة التعقيدات، وطول فترة الإجراءات، ومعاناة شركات المقاولات من ندرة العمالة إجمالاً والمدربة على وجه الخصوص سواء الوطنية أو الأجنبية، إضافة إلى مشكلة التأشيرات، وارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، أمور تنعكس سلباً على أسعار البيع التي قد تصبح خارج قدرات المشترين وطاقاتهم مما يرفع درجة المخاطرة. وهنا يهرب الجميع إلى ملاذات استثمارية آمنة لا تحتاج لجهود كبيرة - كما هو الحال في تطوير المساكن - ومن أبسطها وأكثرها جذباً المضاربة على الأراضي البيضاء التي لا تحتاج لأكثر من بطاقة أحوال ومراجعة كتابة العدل مرتين، الأولى عند الشراء والثانية عند البيع.

بعد أن تشكلت هذه الصورة في ذهني أدركت أن حكومتنا الرشيدة التي تعمل على إصدار نظام الرهن العقاري لمعالجة الأزمة الإسكانية التي يعاني منها أصحاب الدخول المتوسطة لابد وأن تتخذ حزمة من القرارات لتحفيز كبار المطورين العقاريين للولوج في مجال إنتاج الوحدات السكنية بكميات كبيرة ومتنوعة وبأسعار متناولة لتطغى الآثار الإيجابية لنظام الرهن العقاري على المديين القريب والبعيد.

وأعتقد بأنه حان الوقت لدعم الشركات المطورة الكبرى التي تقدم مشروعات إسكانية متكاملة بقروض مليارية طويلة الأجل (كما هو الحال بالنسبة لشركات البتروكيماويات)، وإيجاد مركز لإدارة عمليات منح التراخيص لهذه المشروعات الإسكانية الكبرى يشتمل على كافة الجهات ذات العلاقة بالتراخيص لإصدارها في فترة لا تزيد عن شهر (المدة حالياً تزيد عن سنة)، وربط هذا المركز بوزارة العمل لمنح التأشيرات اللازمة على وجه السرعة لشركات المقاولات المتعاقدة لتنفيذ هذه المشروعات السكنية الكبيرة، وتطوير مجموعة من المحفزات النظامية للمطورين التي تساهم في تخفيض تكلفة متر البناء مثل السماح بتعدد الأدوار، التكفل بتمويل وتطوير الخدمات داخل المشروع الإسكاني بما يتزامن وتطوير المساكن من بنى تحتية وعلوية ومدارس ومساجد وحدائق وأماكن ترفيهية.

وكل تلك المقترحات لا شك أنها ستخفض الأسعار وترفع الجودة حال تطبيقها، فتكاليف الدين المنخفضة، وتقليص المدة الزمنية، وتخفيض تكاليف تطوير الخدمات والعمالة ومتر البناء ستساهم جميعها في تقليص مدة دورات التطوير وتخفيض تكاليف الوحدات السكنية مما يجعل أسعارها في متناول المواطن بوجود برامج تمويلية مدعومة بنظام الرهن العقاري.

وأعتقد بأنه حان الوقت لتباشر الهيئة العامة للإسكان دوراً فاعلاً في تحفيز الشركات العقارية المطورة الكبرى والمتوسطة من خلال توفير الحوافز المقترحة وما تراه مناسباً لحثها لإنتاج كميات كبيرة ومتنوعة (فلل، دبلكسات، شقق) بما يزيد العرض بشكل كبير لمواجهة الطلب الكبير المتوقع حال إصدار وتطبيق نظام الرهن العقاري الذي يُعَدُّ حلاً فاعلاً يحول الطلب الكبير على المساكن من أزمة متفاقمة إلى فرصة متاحة. ولكن هذا النظام لا يكفي وسيكون ذا آثار سلبية على المدى القصير إذا لم يتم تعزيزه بإنتاج كبير ومتنوع من قبل شركات عقارية مطورة محترفة، وما أكثرها في بلادنا وهي جاهزة للعمل حال توفر الحوافز وانتفاء العوائق. وما علينا سوى أن نجعل منها شريكاً حقيقياً في تحقيق التنمية الإسكانية المستهدفة.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7842 ثم أرسلها إلى الكود 82244



alakil@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد