Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/03/2008 G Issue 12962
الثلاثاء 17 ربيع الأول 1429   العدد  12962
نوازف
فوزية ناصر النعيم - عنيزة

صباحات فبراير.. تأخذهم مني.. أحياء وأمواتا.. يتحول فبراير في فبراير كل عام إلى يد طرشاء تصفع ملامحي فتضيعها وتحور أحداث حياتي فتجهدها وتصيبني بالضنك.. أهرب من أطرافه إلى أطرافه فلا يوجد في العام الميلادي مساحة للهروب فما أن تخرج قدمي هاربة من أواخر فبراير إلا وتنزلق على فواهته في عامه الجديد.. في فبراير لا أكاد أحب شيئاً.. رغم أنه الأحب إلى قلبي.. هكذا الأحداث تجعلنا نتذمر من الوقت فيذهب الوقت قبل أن نتذمر.. لم نتذوق ربيعه ولم تهطل علينا أمطاره.. ولم نستظل في شجره.. أو نسترخي في فضائه.. يخيل إلي أن عبث الأيام يجعلها حميماً وسقرا.

قالت لي: لماذا أنت ترقبين الأحداث على خوف.. علماً بأنني أعرف أنك أكثر الناس يقينا.. قلت لها يذبحني اليقين من الوريد للوريد ولكن لماذا أنت اسمك أمل وتبدين أكثر الناس يأساً وفتورا ضحكت أمل قائلة: لعلني لم آخذ من اسمي نصيباً.. أو لعلنا رغم هدير أحداث الحياة المتلاطمة نجد فسحة من الأمل ربما لا نشعر بها ولكنها السبب في وجودنا على قيد الحياة حتى هذه الساعة المتأخرة من أعمارنا.. قلت لها ولكنك لم تبلغني الأربعين.. نعم لم أبلغ الأربعين ولكن عمر التجربة في حياتي بلغت الأربعين عاماً.

شركاء نحن وأمل في التجربة التي جعلت حياتها خريفاً دائماً.. شركاء في الهم.. وفي الأربعين.. وفي الألفين.. وفي شعاع من أمل يضيء جنبات النفس ويمنحها يقيناً وإحساساً بالوجود الذي يجعل الحياة مع التجربة أكثر تفاؤلاً وأكثر أملاً.

يذكرني هذا الشعور بمغارة (جعيتا) تلك التي تمنحنا نفحات نسيم يخيل إلينا أنها قادمة من الخلود في الوقت الذي تقتلنا فيها الوحشة والشعور بالاغتراب وفوضوية المساحة!!

ولكننا حتما ونحن نجر أقدامنا بين أحضانها (الباردة) كنا نستحضركل شعور يربطنا بالغربة ويثير داخلنا كوامن الحزن والألم.. نفوسنا مجبولة على التنقيب داخل الذات..

لا أدري لماذا نحن في ساعة الفرح نستحضر أحزاننا، وكأننا نتوقع أن خاتمة الفرح حزن عظيم مثل أولئك الذين يستغفرون بعد الضحك ألف مرة، ويتعوذون من إبليس اللعين، وكأن الضحك يأتي بمصيبة تكسر العظم.

حالكة هي فوانيس ليلنا.. لم تعد تشعلها الأضواء.. ولا تستعين بوقود عواطفنا حتى تبقى متوهجة.. ظلماء هي مثل الدهاليز التي تخرج منها كلما قررنا أن نختلي بأنفسنا بضعاً من الوقت.. فنخرج نستجير من الرمضاء بالنار.. متاهات هي دهاليزنا.. لم نعد نجازف أن نعيد الكرة لأننا لا نعرف كيف نحمل المصابيح!!

تطالبني الأعين التي تستلذ بقراءة أفكاري.. بألا أطيل الغياب وأن أغزو ساحة القراء كلما اشتاقوا هم لذلك..

وأشفق عليهم من نوازف قلبي.. والهم الذي يحملونه بعد قراءة جداول الجرح على خارطة أوراقي.. أشفق عليهم منها.. لأنني كلما اعتصرت فؤادي ليمطر غيثاً تحولت أعشاب نفسي إلى خريف!!

يبقى شيء مهم.. لعله في الذاكرة..

تمنيت أن تبقى أزهار حديقتي متفتحة زكية.. ما كان ضرك أيتها الرياح العاتية لو أنك هدأت صرصرك العاتي عندما حلقت فوق سماء الزهور وتركتها جذوراً وغصونا..!!

ما كان ضرك لو اكتفيت بالعطر الذي تطلقه زهوري وملأت بها أرجاء الفلك وعبرت بها المستحيل.. أجمل ما فيك أيتها الرياح أن عملك متشابه خماصاً وبطانا لا تستطيعين ترميم ما أتلفه بطشك في ساعة طيش ويبقى القرار... هو القرار!!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد