Al Jazirah NewsPaper Saturday  29/03/2008 G Issue 12966
السبت 21 ربيع الأول 1429   العدد  12966
هل أنت ليبرالي سعودي؟
عبد العزيز السماري

حرص رواد النهضة العربية على ترجمة المصطلحات الجديدة على القاموس العربي، فظهرت لبعض المذاهب الاقتصادية والسياسية والفلسفية الغربية مصطلحات عربية لها دلالات محددة

مثل الرأسمالية والاشتراكية والعلمانية وغيرها من مستجدات الثورة الثقافية في الغرب آنذاك، ولسبب ما تم نقل مصطلح الليبرالية كما هو وبدون ترجمة...

وصل الحال بهذا المصطلح أن يصل للمجتمع السعودي، وأن يتم تناوله في الآونة الأخيرة كثيراً في ظل متغيرات تحدث في تسارع ملحوظ، فيقول البعض لتمييز اتجاههم أو هويتهم الثقافية (الليبراليون السعوديون) وليس مثلاً المتحررون أو الأحرار السعوديون، وهو الترجمة العربية الحرفية لمصطلح الليبراليين.

يفضل بعض المنتسبين لهذا التيار مصطلح الليبرالية أو الليبراليين على غيره ربما للغموض الذي يكتنفه، أو لأن صفة الأحرار أو المتحررين لها دلالات يسارية تتعلق بحقبة سياسية في طريقها للاندثار، بينما لا يختلف اثنان في الوقت الحاضر على أن مصطلح الليبرالية حالياً يعني الارتباط السياسي بأمريكا أو بالمحافظين الجدد على وجه التحديد مهما حاول البعض إنكار هذا الواقع، وما يثير السخرية في هذا الربط غير المحمود أن الليبراليين في الولايات المتحدة خصوم لحركة المحافظين، ونقيضان لا يجتمعان، بينما خارج الولايات المتحدة يكون الليبرالي سفيراً للنوايا الأمريكية غير الحميدة خارج الحدود..

ما حدث من انفراد أحادي بالقوة العالمية أختزل المفاهيم القديمة لليبرالية التقليدية إلى ما يُطلق عليه بالنيو ليبرالية أو الليبرالية الجديدة، وهي بطاقة تعريف حديثة نسبياً لبعض المذاهب الاقتصادية الليبرالية غايته التحول بعيدا عن الإجراءات الحكومية، ويهدف إلى الحد من الحواجز التجارية والقيود الداخلية للسوق سواء كانت حكومية أو دينية أو تراث اجتماعي، وقد تضطر الحكومة المركزية في واشنطن أحياناً لاستخدام الضغط السياسي لفرض فتح أبواب الأسواق الأجنبية.

كان أيضا من المهام المعلنة في السبعينيات لليبرالية الجديدة مكافحة الاشتراكية التي اجتاحت بعض البلدان في أمريكا الجنوبية خلال الفترة ما بين السبعينيات والتسعينيات و(الليبرالية الجديدة) لا تؤمن بالديموقراطية، ولديها كافة الاستعداد للتعامل مع النظم الاستبدادية لفرض خفض التمويل الحكومي للتعليم والصحة ونظم الرعاية الاجتماعية وتخصيصهم من أجل المصالح التجارية العليا...

المفارقة أنه برغم من الانحراف الاستراتيجي في مفهوم الليبرالية وارتباطه بذراع الاستعمار والغزو التجاري، لا يتردد بعض منتسبي الحركة الثقافية الصحفية المحلية أن يتحدث علناً عن وجود تيار ليبرالي سعودي، أو أن يصف هويته بليبرالي سعودي، وهو المصطلح الذي لا يقبل في الوقت الحاضر أكثر من معنى واحد، بعد أن تم اختطافه من قبل المحافظين الجدد في العالم الغربي.

في فهرس الليبرالية المحلية كل شيء أضحى ليبرالياً، فهناك من يتحدث عن الإسلامي الليبرالي، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ليبرالياً، وآخر منهم أن يرى أن الليبرالية خيار لا بد منه، وأن القبيلة والقومية العربية كانت تمثلان حركة ليبرالية فطرية، وأن عبدالله القصيمي هو أول مثقف ليبرالي في المملكة العربية السعودية، تماماً مثلما حدث عندما كانت الاشتراكية شعاراً للمثقفين العرب، لتظهر شعارات وادعاءات منها اشتراكية الإسلام، وغيرها الادعات التي تضاءلت بعد انحسار المد الاشتراكي في الشرق العربي...

أجد صعوبة في فهم موقف أحدهم وهو من ترعرع يدرس الدين وأصوله في كتاتيب وحلقات الذكر السلفية في قرى نجد، ووصل به الحال أن يكون متطرفاً، وإلى حد مواجهة المجتمع في حريته الهامشية آنذاك، لكنه وفي وقت قصير نسبياً ظهر فجأة وبدون مقدمات في الطرف الأكثر تطرفاً في الجانب الآخر رافعاً راية الليبرالية كالجندي المجهول الذي قدم من المكسيك ليحارب في العراق من أجل سيطرة أكثر للمحافظين الجدد في الشرق العربي.

يظهر أحياناً في بعض كتاباتهم النقدية للدين الإسلامي أنهم يمارسون سلوكاً انتقامياً من ماضيهم المتطرف، وأنهم بهذا الأسلوب سينالون الصفح من المجتمع عن ماضيهم العنيف، لكنهم في واقع الأمر يثيرون موقفاً سلبياً في المجتمع ضد ثقافة التغيير والإصلاح الحقيقي، ويقدمون نفس الشخصية المتطرفة التي سكنت داخلهم عندما كانوا متزمتين في تجربتهم الحركية.

عبدالله القصيمي حسب وجهة نظري كان النموذج الأمثل لظاهرة التحولات الجذرية المحلية من أقصى اليمين المحافظ إلى اليسار أو إلى اليمين الجديد في الحركة العالمية للنيوليبرالية، وللكاتب أو الشيخ سابقاً عبدالله القصيمي فضل في فتح الباب للتحول التام والجذري، وهذا التيار أصبح له رموز وأعلام، وربما تجاوز بعضهم سرعة المسافة الزمنية في تحول عبدالله القصيمي من سلفي إلى ملحد، والذي تجاوزت رحلته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ربما أكثر من ثلاثة عقود، بينما قطعها البعض في سرعة فائقة قد تقل عن ثلاث سنوات.

لست ضد النقد أو حرية التعبير المسؤولة كمبدأ أساسي للتطور والتدافع المحمود، فالنقد المنهجي حق مشروع، لكنني بالتأكيد ضد التغريد بدون وعي تحت مظلة مصطلح الليبرالية، فهذا المصطلح تم مصادرته ليكون نهج سياسي يعمل بوعي أو بدون وعي للدفاع عن المصالح الأمريكية في المنطقة، وعلى المثقفين أن يبحثوا عن هوية معرفية جديدة تحترم ثقافة وتراث ودين المجتمع، ولا تجعل منهم حصان طروادة للمد النيوليبرالي الجديد في الشرق العربي.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد