Al Jazirah NewsPaper Saturday  29/03/2008 G Issue 12966
السبت 21 ربيع الأول 1429   العدد  12966
اضطراب الوسواس القهري
د. خليل إبراهيم السعادات - كلية التربية - جامعة الملك سعود

لقد أصبح الوسواس القهري من الأمراض التي تنتشر في المجتمع في هذا العصر وتصيب الكبار والصغار، وأصبح هذا المرض من أكثر الموضوعات جذباً لاهتمام الأطباء والباحثين في علم النفس الإكلينيكي؛ حيث ذكرت دراسة حول هذا المرض أن معدلات انتشار هذا الاضطراب في الولايات المتحدة تتعدى 2-3% كما أن 10% من المرضى المترددين على العيادات النفسية يعانون من هذا الاضطراب، وهي إحصائيات قديمة زاد معدلها بالتأكيد في هذا الوقت، وتضع هذه الإحصائيات الوساوس والأفعال القهرية في المرتبة الرابعة من حيث الانتشار بعد المخاوف المرضية والاكتئاب والاضطرابات المتعلقة بالمخدرات. وإذا حدث الاضطراب القهري في الطفولة أو المراهقة المبكرة فإنه غالباً ما يكون مزمناً ومربكاً للمريض، ويكون له دور سلبي على الأطفال والمراهقين. وتذكر الدراسة أن تأثير ذلك يظهر في سوء العلاقة الأسرية بين المريض وبقية أعضاء الأسرة، وسوء علاقات الصداقة مع الزملاء والأقران؛ حيث تبيّن من مراجعة بحثية للملاحظة التتبعية لحالات 44 مراهقاً مريضاً بالوسواس القهري أن أكثر هؤلاء المرضى كان لديهم مشكلات خاصة بالعلاقات مع الزملاء والأقران، فضلاً عن المعاناة من العزلة الاجتماعية، وأن هذه المشكلات صاحبت ظهور الأعراض الوسواسية القهرية لدى هؤلاء المرضى من المراهقين.

ويظهر تدهور الأداء الدراسي عند الأطفال والمراهقين مع ظهور الإصابة باضطراب الوسواس القهري لديهم، وذلك بالرغم من عدم وجود أهم عوامل هذا التدهور في معظم الحالات كنقص القدرة العقلية أو ضعف الإمكانات المادية؛ حيث يشاهد اضطراب الوسواس القهري بنسبة أكبر في الطبقات الاجتماعية الأعلى وعند الأشخاص الأذكى.

وقد تبين أن مرضى الوسواس القهري، خاصة الأطفال والمراهقين، غالباً ما يعانون من اضطرابات أخرى قد تكون مصاحبة لهذا الاضطراب أو مرتبطة به أو متشابهة معه؛ الأمر الذي يوجد مشكلات تشخيصية لدى هؤلاء المرضى. ويذكر بعض الباحثين أن الغالبية العظمى من حالات الوسواس القهري في الطفولة والمراهقة غالباً ما يتم تشخيصها خطأ على أنها اكتئاب أو اضطرابات قلق أخرى.

وغالباً ما تظهر المعاناة من قصور العلاج أو عدم ملاءمته، وذلك نتيجة لأسباب عدة، منها الأخطاء التشخيصية وأسبابها؛ الأمر الذي جعل اضطراب الوسواس القهري عند الأطفال دون المعرفة الصحيحة والعلاج الناجح. وللخروج من هذه المشكلة في حالة التدخل التشخيصي والعلاجي مع الأطفال ذوي اضطراب الوسواس القهري فإن الدراسة تقدم عدة أمور يجب أخذها في الاعتبار، منها أن عملية تقييم الحالة والأعراض ومناسبتها للمرحلة العمرية للطفل تحتل أهمية جوهرية في نجاح عملية العلاج فيما بعد. ومن المهم أن يتنبه المعالج لأي اضطرابات نفسية أو عصبية أخرى مصاحبة لاضطراب الوسواس القهري؛ لأن العلاج يختلف تبعاً لذلك، كذلك يفضل أن يستعمل العلاج المعرفي السلوكي مع الأطفال ذوي الاضطراب القهري؛ لأنه يعطي نتائج أكثر ثباتاً، كما أنه يفيد في تعليم الطفل سلوكيات جديدة تساعد في التغلب على ميوله الوسواسية، وإن كان ذلك يتطلب إضافة العلاج الدوائي في الحالات الشديدة المصحوبة باضطرابات أخرى.

وهناك ضرورة لإشراك الأسرة ودراسة التفاعلات النفسية العاملة ما بين الطفل ووالديه وإخوته؛ فلذلك تأثير كبير على نجاح العلاج، وهناك من الدلائل ما يكفي لتأكيد الأهمية البالغة للأسرة في برامج تشخيص اضطراب الوسواس القهري وعلاجه والوقاية منه، فضلاً عن تجنب الانتكاس بعد العلاج لدى المصابين بهذا الاضطراب. ويذكر أن أعضاء أسرة المريض يتصرفون أحياناً بشكل يزيد من مشاكل المريض نظراً لانتقادهم لتصرفاته واتهامهم له بالجنون، ويتصرفون بطريقة انفعالية مع المريض نظراً إلى عدم معرفتهم بطبيعة مرضه وما يعانيه. ويتحدد المسار المرضي لهذا الاضطراب في الطفولة والمراهقة على وجه الخصوص بعوامل أسرية ووالدية. وينطبق ذلك على الاستجابة للعلاج لدى المرضى لهذا الاضطراب من الأطفال والمراهقين. إن الأطفال ينمون في إطار أسري وإن علاجهم لا بدّ أن يعكس عملياً هذه الحقيقة؛ ولذلك فإن التدخلات العلاجية المتمركزة حول الأسرة ربما تكون أكثر فاعلية من العلاج المتمركز حول الطفل بمفرده؛ ولهذا فإن التدخلات العلاجية الهادفة إلى تعديل أنماط التفاعل الأسري قد تزيد من فاعلية العلاج بشكل كبير. وفي حالة ملاحظة مثل هذه الاضطرابات على الأطفال والمراهقين فإنه يجب عرضهم على الطبيب النفسي المختص؛ حتى يمكن علاجهم في أسرع وقت ممكن، وحتى لا تمتد آثار هذا المرض وتؤثر على مراحل مراهقتهم وحياتهم المستقبلية - عافانا الله وإياكم من هذه الأمراض - وعلى الله الاتكال.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد