Al Jazirah NewsPaper Tuesday  01/04/2008 G Issue 12969
الثلاثاء 24 ربيع الأول 1429   العدد  12969
الزحف باتجاه الشمال
الحل عند الهيئة العليا لتطوير الرياض
د. خالد بن محمد الوهيبي

يشتكي كثيرٌ من المواطنين من الاختناقات المرورية التي يواجهونها في كل صباح وعند نهاية الدوام، وتزداد شكواهم كلما اتجهت ناحية الجنوب حيث تسكن الغالبية العظمى من سكان مدينة الرياض.

(والزحف باتجاه الشمال) ليس عنواناً لفلم أو مسلسل تلفزيوني، وإنما هي ظاهرة يمكننا أن نطْلِق عليها ظاهرة المدن الكبرى. فالذي يزور أية مدينة كبرى في أية دولة عربية ويقدَّر له أن يتحدث مع أهلها عن رغباتهم في السكن، فسوف يجد أن معظمهم يشير ببوصلته باتجاه الشمال، ونحن في مدينة الرياض لسنا بحالة شاذة عنهم.

آلاف السيارات تنطلق في الصباح الباكر من أحياء السويدي والشفا والعزيزية والفواز وبدر وخنشليلة ومنفوحة، تحمل بين جنباتها موظفي الدولة وطلاب وطالبات الجامعات منطلقين باتجاه الشمال، حيث توجد مقرات الدوائر الحكومية التي يكثر مراجعوها، وموظفوها. وكثير من الآباء منذ أن يلتحق ابنه أو ابنته بالمرحلة الثانوية يضع يده على قلبه ويحزم رأسه ويحمل همّ كيف سيوصل ابنه أو ابنته؟ بل كيف سيستطيع الوصول إلى عمله دون تأخر؟ ثم ماذا لو كانت لديه مراجعات في بعض الدوائر الحكومية المتكدسة في وسط الرياض؟ ولعدم وجود التنسيق بين وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي من جهة، وبين وزارة الخدمة المدنية من جهة أخرى بغرض تحديد مواعيد بداية الدوام ونهايته لتخفيف هذا الضغط الهائل، صرنا نرى هذا الكم الرهيب من السيارات والزحام الذي لا يطاق، ثم إن عزم الجامعات في مدينة الرياض على تجميع المباني التعليمية (الكليات) للبنين والبنات داخل الحرم الجامعي سوف يفاقم هذه المشكلة يقينا في المستقبل.

إن المركزية وعدم التنسيق هي المشكلة الأساسية في تلك الكثافة الهائلة من السيارات التي تزدحم عند مخارج القادمين من الجنوب باتجاه الشمال. وتشير الدراسات التي عملتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض إلى أن عدد سكانها الآن حوالي 4.5 مليون نسمة وأن هذا العدد سيتجاوز 17 مليون نسمة بحلول عام 1442 هـ، وهذا يعني أنه مهما عمل من أنفاق أو كباري في أحياء جنوب الرياض فلن تحل المشكلة. ونتيجة لذلك أصبح الواحد منّا يقول في نفسه: لماذا لا أسكن في الشمال؟ ثم يجيب نفسه: وهل أستطيع دفع إيجار أعلى؟ وهل سأجد مكاناً مناسباً؟ إذاً فما هو الحل؟

في كل يوم من أيام المعاناة المرورية، وحينما أرى آلاف الناس الذين يخرجون من جنوب الرياض منطلقين باتجاه الشمال يعانون ذات المعاناة أقول في نفسي: هل أنا الوحيد الذي يفكر في حل لها؟ أوليس لدى هؤلاء جميعاً نفس التساؤل؟ وهل غاب هذا السؤال عن المسؤولين؟ ولأن الإجابة المنطقية هي أن يكون هناك غيري كثيرون تؤرقهم ذات المشكلة ويبحثون عن حل لها، وأن المشكلة من الوضوح بحيث لا يمكن أن تكون غائبة عن أذهان المسؤولين؛ فقد يممت شطر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وتصفحت موقع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض - التي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز - ولك أن تتخيل كم سررت جداً بما قرأته وشاهدته على ذلك الموقع، فكل ما تريده عن مدينة الرياض، أو تسأل عنه ستجد إجابة شافية وكافية. ولقد أثلج صدري تلك النظرة الثاقبة والدراسات المتعمقة وخصوصاً تلك الاستراتيجيات الاثنتي عشرة التي اندرجت تحت الاستراتيجية الشاملة لمدينة الرياض، التفاؤل كبير والطموح يفوق الحدود.

واحدة من تلك الاستراتيجيات كانت عن مراكز الرياض الفرعية، وقد احتوت على إجابة شافية عن سؤالي، حيث ورد تحت تعريف (مفهوم المراكز الفرعية) ما يلي:

تعرف المراكز الفرعية: بأنها مناطق عمرانية ذات أنشطة وخدمات متنوعة تتراوح مساحتها ما بين 2 و2.5 كيلومتر، وتخدم ما يقارب 600 ألف إلى مليون نسمة في دائرة يصل قطرها نحو 20 كيلو مترا، تقدم لهم خدمات مدنية شاملة. ومن خلال الاطلاع على الوظائف التي ستشتمل عليها هذه المراكز فقد أشار التقرير في الموقع إلى أنها المراكز الإدارية والحكومية، والأنشطة الاقتصادية والمكاتب والشركات والبنوك، ومراكز التسوق والخدمات الاجتماعية والثقافية والترفيهية.

لقد وجدت إذاً إجابة شافية عن السؤال، وعثرت على الحل المثالي الذي وضعه المسؤولون للمشكلة، ولكنني ما زلت أتساءل عن أمر مهم، ألا وهو متى ستنفذ هذه الخطط؟ وهل سيبقى سكان ضواحي العاصمة في هذه الاختناقات إلى أن تقوم المراكز؟ إن الخطة في هذه الاستراتيجية بعيدة المدى - وهي بلا شك أمنية نتمنى تحقيقها - ولكن إلى أن تتحقق فلا بد أن تكون هناك خطة قصيرة المدى يمكن من خلالها تخفيف هذه الزحام، ليس فقط عن جنوب الرياض بل أيضا عن الساكنين في الشرق والغرب والشمال الذين ينطلقون في كل صباح باتجاه الوسط.

ولذلك أقول: لماذا لا يتم التنسيق بين الهيئة العليا لمدينة الرياض وأمانة مدينة الرياض للاستفادة من الأراضي الخاصة بالأمانة - والتي خصصت لتكون مرافق داخل الأحياء - وذلك ببناء مجمعات حكومية مؤقتة من دور واحد، تجمع في كل مرفق أهم الدوائر التي يكثر مراجعوها، مثل: الجوازات والمرور والاستقدام ومكاتب للخطوط السعودية ومكتب للخارجية بالإضافة لتلك التي ذكرت في تقرير الهيئة، وكذلك تخصيص مرافق أخرى بالتنازل عنها لصالح جامعتي الإمام والملك سعود لبناء مجمعات للكليات (خصوصاً للطالبات)، على أن يشمل ذلك جميع المناطق السبع أو الدوائر السبع في مدينة الرياض. إننا بهذه الخطة قصيرة المدى سنحقق أهدافاً كثيرة منها على سبيل المثال للحصر:

1- حل عاجل لتخفيف الزحام في كل صباح ومساء باتجاه وسط المدينة.

2- تجنيب أهالي المدينة مشقة الانتقال من الجنوب إلى الشمال والعكس في رحلة عذاب يومية وخصوصاً عند إيصال الطلاب والطالبات.

3- توزيع الجهد على الدوائر الحكومية وذلك عن طريق اللامركزية.

4- افتتاح فروع تتيح مزيدا من فرص التوظيف للمواطنين.

5- الحد من انتشار الأسواق في جهة واحدة من المدينة.

وحسب ما ذُكر من نسبة الزيادة في النمو السكاني وهو 5% سنوياً فإننا لابد مقدمون على هذه المراكز، إذاً فالتأسيس لها الآن هو أنسب وقت، أليس كذلك؟

وختاماً، أسأل الله التوفيق والسداد للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ولمجهوداتهم المشكورة، وأخص بذلك القائم على هذه الهيئة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض.

عميد كلية المجتمع في محافظة الخرج



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد