إن الطفرة التعليمية التي تمر بها المملكة والتحديات التي تواجهها على صعيد التنمية الاقتصادية وما يتبعها من ضرورة التطوير لمسايرة المتغيرات في المجتمع ودول العالم المختلفة، ضاعفت الحاجة لبناء المدن الجامعية ذات المواصفات العالية، وعلى درجة رفيعة متوازية مع جامعات الدول المتقدمة في التخصصات النادرة وفي المناهج التعليمة الجامعية، لتواكب الاحتياج الفعلي لعصر المعلومات والتقنيات المتطورة والمتسارعة.

وحيث إن معدّل النمو السكاني السنوي للمملكة بلغ أكثر من 5% والحاجة إلى التوسع في التعليم الجامعي الحكومي، إضافة إلى تعزيز مشاركة ومساهمة القطاع الخاص في النشاطات التعليمية لتنمية هذا القطاع التعليمي، كل هذا يتزامن مع النهضة العمرانية التي تمر فيها المملكة على جميع الأصعدة من بناء المدن الجامعية إلى المدن الاقتصادية والمعرفية وغيرها من المشاريع الحيوية والتنموية، حيث خصص لقطاع التعليم في ميزانية 1428-1429هـ 105 مليارات ريال بما يعادل 25% من ميزانية الدولة.

وللبدء في بناء المدن الجامعية لا بد من تبني رؤية واضحة وشاملة تعتمد على استراتيجيات محددة للوصول إلى الأهداف بما يخدم الجامعة ويلبي متطلبات وزارة التعليم العالي والمصلحة العامة، لتطوير مختلف الكليات الأكاديمية والمراكز البحثية والإسكان إلى المرافق الرياضية وغيرها من المباني لتحقيق أفضل الأجواء لمناخ دراسي يستفيد منه الطلاب والطالبات وأعضاء هيئة التدريس.

إن من أولويات بناء المدن الجامعية التركيز على البنية التحتية من شبكات الطرق والمياه والغاز والصرف الصحي ومرافق الخدمات ووحدة معالجة الصرف الصحي وتنقية المياه، ومواقف السيارات وشبكات الإلكتروميكانيكية (الكهرباء والميكانيكا) ومراقبتها عن طريق أنظمة التحكم (Building Management System - BMS)، والتركيز على مقومات التقنية الحديثة ببناء بنية تحتية من الألياف الضوئية التي تعتبر بمثابة نواة للشبكة المعلوماتية، تلبي احتياجات الحاضر وقابلة للتطور لمواكبة كل ما يستجد على الساحة المعلوماتية وتؤمن الاتصال السريع بالإنترنت التي يمكن أن تدفعنا إلى الأمام ولتضمن استيعابه التقنيات المستقبلية.

عادةً يتم البدء في المشروع الهندسي على عدة مراحل أهمها؛ الدراسات الجيولوجية عن طريق القيام بالفحص الاستكشافي لنوعية التربة في الموقع، وإجراء اختبارات في المختبر، والرفع المساحي لمعرفة علاقتها بطوبغرافية الموقع، وإعداد الجدول الفراغي، ومرحلة التصميم التخطيطي والابتدائي والنهائي، كلها تمثل منظومة متكاملة عن المدينة الجامعية تحتاج إلى الدقة في إعداد وتجهيز مستندات الإنشاء والتأثيث والوسائل التعليمية والأجهزة الطبية والمعلوماتية والتوصل في النهاية إلى إعداد مستندات الطرح لترسية المشروع على المقاول المنفذ.

وعند البدء في بناء المدن الجامعية يحبذ استقطاب فريق عمل يتمتع بمهنية عالية من المهندسين والإداريين والفنيين وغيرهم، وفق معايير عدة منها الخبرة المعلوماتية ولديهم إلمام كامل للتعامل مع التقنية الحديثة من البرمجيات التخصصية إلى البرمجيات الأساسية من محرر النصوص وقواعد البيانات وبرنامج العرض والرسومات.

بالإضافة إلى إنشاء شبكة معلوماتية داخلية Intranet تعتمد على منظومة متكاملة، وتستند على وضع تصور شامل يحتوي على جميع المعلومات الخاصة بالمشاريع تحت التصميم والتنفيذ ومن ضمنها المواصفات والرسومات والمخططات وجداول الكميات والتقارير الشهرية لمتابعة الإشراف على المشاريع، ليتمكن العاملون في الإدارة من التواصل وتبادل المعلومات تحت نظام موحد يعمل الجميع تحت مظلته وفي بيئة آمنة.

إن بناء البنية التحتية التقنية المتطورة للمدن الجامعية ترتكز على أسس رقمية متزامنة مع شبكات غير سلكية Wireless Networks يفتح الكثير من الآفاق في مجال التعليم الجامعي الإلكتروني من خلال تبني الفصول الدراسية الذكية Smart Classes ، والتعلم عن بُعد Distance Learning ، والسبورة السوداء Blackboardووب سي تي Web Course Tools - Web CT والتعليم التفاعلي Interactive Learning

كما أن توفر تقنية الإنترنت للجوال المرئي والهاتف عبر شبكة الإنترنت بما يسمى Voice over Internet Protocol- VoIP يسهل كثير من الاتصالات الداخلية والخارجية من خلال مؤتمرات الفيديو عن بُعد Video Conferencing.

هذه المشاريع التنموية من المدن الجامعية عادةً ما ترتبط بالعديد من الإدارات داخل وخارج الجامعة وبالمؤسسات الحكومية والشركات والتي تبنتها الدولة تعتبر من المرافق الأساسية للوطن والمواطن واستثماراً للأجيال القادمة، فالحرص عليها واجب والتأكد بأنها تدار من قبل المتخصصين من المهندسين وذو الخبرات الطويلة في هذا المجال.

إن بناء المدن الجامعية على أسس رقمية يعتبر تحدياً كبيراً وليس بالمهمة السهلة، ولكن بالرؤية الواضحة والاستراتيجيات المدروسة والتخطيط الدقيق والعمل الجماعي يساعد على الوصول إلى الهدف المنشود بإذن الله.