Al Jazirah NewsPaper Tuesday  01/04/2008 G Issue 12969
الثلاثاء 24 ربيع الأول 1429   العدد  12969
الإسكان نواة استثمارية للاقتصاد الوطني
د. عقيل محمد العقيل

أن نحل المشكلة الإسكانية بمعزل عن المشكلات الاقتصادية الأخرى قرار غير رشيد من جهة أن القطاعات الاقتصادية متشابكة ومترابطة مع بعضها بعضاً بالشكل الذي يجعلها تؤثر وتتأثر ببعضها بطريقة لا يستطيع توقعها إلا الراسخون في العلم الاقتصادي، ولطالما استخدم علماء الاقتصاد قطاعاً اقتصادياً لمعالجة مشكلات اقتصادية أخرى لا تمت ظاهرياً بصلة لهذا القطاع المستخدم.

نعاني اليوم من مشكلة إسكانية أدت الى نشوء مشكلات أخرى على اعتبار أن الإسكان مرتبط بحياة المواطن الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والصحية والأمنية. فإذا كان السكن مرتفع التكلفة عانى المواطن اقتصادياً والعكس صحيح، وإذا كان السكن صغيراً عانى المواطن من مشكلات نفسية واجتماعية وصحية، وإذا كان السكن في حي تنتشر فيه الجريمة أصبح المواطن تحت رحمة مروجي المخدرات ولصوص المنازل والسيارات ومنظومة القيم المنهارة وهكذا. إذن السكن لا يمكن أن ننظر اليه كمأوى فقط، بل يجب أن ننظر إليه بكافة أبعاده الأخرى.

بالإضافة للمشكلة الإسكانية نعاني أيضاً من مشكلات أخرى أهمها في ظني مشكلة الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، حيث ما زال النفط متذبذب الأسعار ولا يزال يشكل حوالي 85% من إيرادات الدولة، ومشكلة البطالة التي ستتفاقم بشكل كبير إذا لم نبحث لها عن حلول إستراتيجية ناجعة تستند الى دراسات علمية دقيقة وحديثة وشاملة تحلل إستراتيجياً ليتم تشخيص الحالة كما هي على الواقع لا كما نريد أن نراها، ومن ثم يتم دعوة العقول المفكرة المحلية والدولية لمعالجتها، ومشكلة البطالة حسب التوقعات المتحفظة - وليست الاحصائيات المتنوعة - ينتظر لها أن تتفاقم بشكل كبير في السنوات القادمة في ظل نمو متزايد في الداخلين لسوق العمل مقابل نمو ضيئل في فرص العمل المتاحة خصوصاً تلك التي يقبل عليها السعوديون.

استثمارات النفط والغاز والبتروكيماويات استثمارات تجلب الثروة للبلاد، وهذا مطلوب ونحمد الله عليه، لكنها وللأسف الشديد لا تستطيع أن توزع هذه الثروة على أكبر عدد من المواطنين بالشكل الذي يحقق لهم الدخل العادل من ناحية، والذي يحقق لهم قدرة شرائية مناسبة تحرك القطاعات الاقتصادية الأخرى من ناحية أخرى. وها نحن نرى المواطن يتحسر كلما رأى ارتفاعاً في أسعار النفط حيث يناله منها الغلاء المترتب على التضخم العالمي الناتج عن ارتفاع أسعار النفط، ولا يناله إيرادتها بالنسب التي ارتفعت بها أسعار النفط في الأسواق العالمية.

العقار القطاع الأكثر قدرة على جلب الثروة وتوزيعها على المواطنين وهو القطاع الأكبر حجماً بعد النفط والغاز، والإسكان يشكل حوالي 70% من القطاع العقاري، وهو ما يعني أن حل المشكلة الإسكانية يمكن أن الطريق أيضاً لحل مشكلتي البطالة وأحادية مصدر الدخل الوطني. كلنا يعرف أن الأسواق المالية العالمية تمول مواطني الولايات المتحدة لشراء مساكن لهم، وذلك من خلال ربط القطاع العقاري بالنظام المالي، حيث تقوم الولايات المتحدة بتسنيد الرهونات العقارية وبيعها في أسواق المال العالمية، وهو ما أدى لجلب آلاف المليارات من الدولارات للاقتصاد الأمريكي مما مكن الولايات المتحدة الأمريكية من تسكين مواطنيها وتنمية الاقتصاد الأمريكي وحمايته من الكثير من الهزات مثل زلزال الناسداك وزلزال الحادي عشر من سبتمبر.

لدينا أموال كثيرة، وكما نشر مؤخراً أن لدول الخليج فقط في الولايات المتحدة 1.25 ترليون دولار فقط في الصناديق السيادية عرضة في رأيي الشخصي لأمزجة صانعي السياسة الأمريكيين. كما لدى جيراننا والكثير من المستثمرين الدوليين أموال كثيرة أيضاً تبحث عن استثمارات آمنة ومستمرة وطويلة الأجل، والعقار عموماً والإسكان منه على وجه الخصوص يمكن أن يكون الملاذ المحلي الآمن لهذه الأموال. وحال توجه هذه الأموال للسوق الإسكانية سوف تتحرك قطاعات كثيرة مثل قطاع البناء والتشييد والقطاع المالي وقطاع مواد البناء والإسمنت وقطاع الخدمات وقطاع تجارة التجزئة والمعدات ..الخ. وكل هذه القطاعات تعد قطاعات مولدة للفرص الوظيفية بشكل كبير. وهذه الوظائف سترفع القوة الشرائية للمواطن الذي سترتفع قوته الاستهلاكية مما يحرك القطاعات الأخرى بالتبعية. وهكذا تتولد الفرص الوظيفية التي نستهدفها وترتفع مستوى معيشة المواطن. وللعلم لدينا شركة عقارية استطاعت استقطاب مليارات الريالات من أسواق المال العالمية من خلال تصكيك الديون وتسنيد الأصول والسمعة، وهو ما يعني أن العقار يمكن له أن يكون مصدر إيرادات مالية كبرى من كافة دول العالم.

إذن حركة قطاع العقار عموماً وقطاع الإسكان خصوصاً ستحل المشكلة الإسكانية وتولد الفرص الوظيفية وترفع من نسبة مساهمة هذا القطاع والقطاعات ذات الصلة في إجمالي الناتج المحلي لمثيلاتها في الدول المتقدمة (حوالي 35%)، وهنا نكون قد ضربنا أكثر من عصفور في حجر واحد، نعم استطعنا المساهمة في حل مشكلة أحادية مصدر الدخل ومشكلة البطالة بحل مشكلة الإسكان، وجميعها مشكلات ذات أولوية.

نظام الرهن العقاري على الأبواب، وشركات التمويل العقاري والإسكاني أصبحت واقعاً ماثلاً أمام أعيننا، وشركات التطوير العقاري التي تشكل حجر الأساس لانطلاق منظومة إسكانية سليمة وقوية لازالت نادرة وهي تحتاج لدعم كبير وتيسير لأعمالها لكي تطور كميات كبيرة ومتنوعة ذات جودة عالية من الوحدات السكنية، ولا شك أن الدولة بما تتمتع به من قوة الأنظمة من ناحية وبقوة مالية حالية من ناحية أخرى قادرة على دعم تلك الشركات من خلال استكمال الأنظمة وتيسير الإجراءات وتقليص مدتها، ومن خلال إيصال الخدمات (ماء، كهرباء، هاتف) لعتبات تلك المشروعات لتتكفل تلك الشركات يإيصالها للمنازل، ومن خلال تنشيط قطاع المقاولات بمنحه التأشيرات اللازمة، ومن خلال تنشيط القطاعات المالية لتمويل المستفيد والمطور معاً. ومن خلال تطوير الطرق المؤدية للمشروعات الإسكانية، وكل ذلك ممكن وميسر، وحال ازدياد المطوريين وارتفاع إنتاجيتهم سنرى مساكن كثيرة توازن المطلوب والمعروض، وفرصاً وظيفية متزايدة، ومساهمة كبيرة في إجمالي الناتج المحلي، فهل نحن فاعلون؟ كلي ثقة بذلك في ظل قيادة حكيمة وقطاع خاص متوثب وأموال وفيرة.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7842 ثم أرسلها إلى الكود 82244



alakil@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد