Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/04/2008 G Issue 12974
الأحد 29 ربيع الأول 1429   العدد  12974
التهيئة النفسية المسبقة قبل المباريات.. وثقافة الفوز..!!

تعتبر التهيئة النفسية المقصودة السابقة للنزال الكروي المهم من أهم الأمور التي تسهم في تحقيق نتائج إيجابية للفرق الرياضية، ومع التسليم أن الفروق الفنية بين الفرق المتبارية يكون لها نصيب في حسم تلك المباريات الحاسمة، إلا أن التهيئة النفسية الإيجابية وشعور اللاعب بالانتصار وقدرته على بناء ذهنية (فائزة) تمثل عاملاً مهماً يؤدي في الأخير إلى تحقيق الفوز، وحينما نتحدث عن الأثر النفسي لدى اللاعب وقدرته على تحقيق ما يخالف المعطيات الفنية التي ربما تجعل فريقاً مغموراً أو ضعيف في الإنجازات يتفوق على من هو أكفأ منه وأقدر، نتذكر المستويات التي تقدمها بعض الفرق حينما تلعب على أرضها وبين جمهورها وتحقيقها لنتائج تخالف تماماً منطق المستويات الفنية، وكمثال على ذلك المنتخب والفرق الأوزبكية والإيرانية والسورية التي يتغير مستواها تماماً حينما تلعب على أرضها وبين جمهورها، وكلنا نذكر فوز الكرامة السوري على الاتحاد بأربعة أهداف نظيفة، ونذكر هزيمة منتخبنا الأخيرة أمام أوزبكستان بثلاثة أهداف نظيفة بينما هزمناه في أوقات سابقة بنتائج قياسية خارج أرضه، وهذا التحول الكبير في مستوى أداء اللاعبين حينما يلعبون على أرضهم ناتج أساساً من تغيير الذهنية الداخلية للاعب، فهو على أرضه يشعر و(يعتقد) بقوة وقدرة على الفوز متناسياً الفروق المهارية والفنية والتي قد تكون لصالح الفريق الضيف.

ومسألة التهيئة النفسية المسبقة في الحالات السابقة كانت تتم بطريقة لا واعية من قبل الفرق واللاعبين، لكن ثمة فرق استفادت من جملة من العلوم الجديدة التي تتناول قدرات وأسرار النفس الإنسانية وكيفية تحفيزها بإبدال المشاعر السلبية لدى اللاعبين وبناء تهيئة إيجابية مقصودة قبل النزالات المهمة، ولن أبتعد كثيراً في عرض نماذج لفرق استثمرت فهمها لأهمية علم النفس وبالتالي استعانتها بمتخصصين لتحقيق نتائج كانت تعتبر صعبة عليها فيما سبق، بل سأكتفي بنماذج قريبة من وحي رياضتنا المحلية، وهي تجربة أندية الإتحاد والأهلي وأخيراً النصر، فالاتحاد الذي تعرّض لإخفاق في البطولات المحلية قبل ما يقارب خمس أو ست سنوات، استعان بأحد المستشارين في مجال تنمية الذات وتفعيل القدرات البشرية وأمكن له بسبب تلك لتهيئة النفسية (المقصودة) من تحقيق بطولات ذلك العام، وذات الأمر قام به الأهلي العام الماضي مع ذات المستشار وجعلته يعود مجدداً لأسماء البطولات بعد بُعده عنها لسنوات، آخر النماذج كان نادي النصر الذي كسر عناد 12 عاماً من بُعده من سماء البطولات حينما حقق الفوز على الهلال في نهائي كأس الأمير فيصل بن فهد مؤخراً، ومن شاهد لاعبي النصر في ذلك اللقاء لمس حماساً وقدرة على مقارعة الخصم بطريقة غريبة خاصة في الشوط الثاني، ورغم صغر سن اللاعبين وكون هذا النهائي هو الأول لهم جميعاً وهي ما يمثل عملية ضغط نفسي كبير عليهم، إلا إنهم ظهروا بصورة مغايرة وكأنهم متمرسين على النهائيات، السر في ذلك مع إصرار اللاعبين والتهيئة الإدارية الجيدة وقدرة المدرب على توظيف مهارات لاعبيه فيما يخدم تحقيق البطولة، كان في استعانة الإدارة النصراوية بخبير تدريبي معروف استغربت بداية وأنا أشاهده يعانق اللاعبين في أرضية الملعب عن (سر) وجوده، لأعلم لاحقاً أنه كان في معسكر الفريق الأيام الأخيرة قبل اللقاء، وقام بجهد كبير معهم فيما يتعلق بكسر المعتقدات السلبية والمتمثلة بأكثر من أمر، أولها عدم قدرة النصر على تحقيق البطولة لبعده عنها، وثانيها تفوق الهلال فنياً على النصر، وثالثها عدم قدرة النصر على تحقيق الفوز على الهلال آخر أربعة مواسم، وهي معتقدات سلبية كان من الممكن أن تؤثر على عطاء النصر داخل المستطيل الأخضر وربما تفقده الكأس، وحسب الخبير التدريبي رشاد فقيها أنه كان يخضع بعض اللاعبين لجلسات استرخاء وبناء خبرات إيجابية في العقل الباطن لديهم بغرض كسر هذه المعتقدات السلبية، إضافة لبناء روابط شرطية إيجابية متمثلة في عبارات يذكر بها اللاعبون بعضهم البعض، والتي أثمرت عن تحقيق الإنجاز النصراوي الذي طال انتظاره كثيراً.

ما يعنيني هنا، هو أهمية استثمار هذا المجال الخصب في التهيئة النفسية للاعبين قبل اللقاءات المهمة، بغرض الحصول على نتائج إيجابية، وكلنا لمس على سبيل المثال المستوى المهزوز الذي ظهر عليه منتخبنا في مباراته الأخيرة أمام أوزبكستان خاصة بعد خروج ياسر، والذي يدل على عدم التهيئة الجيدة، وتأكد لي ذلك حينما خرج المدرب ليصرح بعد المباراة أن سبب الخسارة خروج القحطاني، وهي وإن كانت حقيقة إلا أن البوح بها أمام الجميع ستؤثر على المنتخب وعلى عطاء اللاعبين في المستقبل حينما (يعتقدون) أن حضور ياسر القحطاني يعني الفوز وغيابه قد يؤدي للخسارة!! فمثل هذه التصاريح قد تفعل فعلتها في نفوس الآخرين بدون أن يشعر المدرب أو الإداري، وأذكر أن أحد اللاعبين من الفرق الصاعدة للممتاز والذي خسر أولى مبارياته مع الهلال بستة أهداف نظيفة يقول: إن بعض اللاعبين في المعسكر قبل المباراة كانوا سبباً في الخسارة إذ كانوا يطلقون عبارات تقتل طموحهم وترسخ اعتقاد عدم قدرتهم على المجاراة كعدم قدرة المدافع على التصدي للثنيان وسعد مبارك، أو أن المهاجم لن يستطيع تجاوز النعيمة والبيشي (في ذلك الموسم)، وهذه العبارات تفعل فعلها السلبي في تثبيط الهمم وبناء (ثقافة الهزيمة) المسبقة قبل اللقاء.

هي دعوة للاستفادة من علم النفس - حركي ومجال تفعيل القدرات البشرية في تهيئة لاعبي منتخباتنا الوطنية، خاصة للفئات السنية الصغيرة والتي لم تحقق إنجازات على المستوى الآسيوي منذ أكثر من 10 سنوات، وكما يهتم إتحاد كرة القدم بالتعاقد مع مدربين عالميين وإداريين أكفاء، لا بد أن يستفيد من التجارب المثمرة في هذا الجانب لعل أشهرها عالمياً التجربة اليابانية وعربياً التجربة العمانية.

تركي بن منصور التركي


tmt280@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد