Al Jazirah NewsPaper Tuesday  08/04/2008 G Issue 12976
الثلاثاء 02 ربيع الثاني 1429   العدد  12976
ورحل العم خميس
شهاب بن عبدالرزاق المشعل السويلم-ابنك المحب المشتاق

بمداد من الدمع أكتب هذه الكلمات المحدودة لا تأبيناً في الراحل العم خميس العبدالله الخميس -رحمه الله تعالى- ولا اعتراضاً على قضاء الخالق العظيم ولا تمجيداً في شخص غير مستحق، ولكن هي فضفضة أخرج بها ما في النفس من مشاعر تجاه رجل بسيط جاء بهدوء إلى هذه الدنيا وعاشها وغادرها بهدوء أشد.

خميس العبدالله الخميس لم تظهر مكانته الحقيقية في المجتمع الحائلي إلا عندما غادر الدنيا، فقد ثبت أن له من الأثر على الناس ما دفعهم جماعات إلى حائل من أرجاء المملكة وخارجها ليقوموا بواجب العزاء، وانشغلت الناقلات الجوية الثلاث حتى مروحية الدمام في نقل المحبين من المعزين ومشاركتهم لنا بل وفي تلقي العزاء معنا في حبيب الجميع.

ما هذا الأثر الذي تركه خميس العبدالله الخيمس في الناس ليبكونه بتلك الحرقة؟ بل وليتسابقوا إلى منزله وقبل ذلك إلى المسجد الجامع ببرزان ثم في مقبرة صديان بحائل؟ ببساطة إنه فعل الخير بصمت.. حتى أن أحد حراس المقبرة كان يدل الناس إلى قبره حتى لو لم يكونوا يقصدونه وتبين لاحقاً أنه قد مسه بعض الخير من خميس ولا أحد يعلم بذلك سوى العزيز العليم سبحانه.

عجائز حضرن عزاء السيدات لم يعرفهن أحد.. كل الأمر أنه كان يمر بما قسمه الله لهن ولأيتامهن في ظلمات ليالي حائل وفي أماكن قريبة وبعيدة حتى في النفود وفي مواعيد شبه ثابتة لا ترتبط بالأعياد ومواسم الخير فقط ولكن طوال العام، حتى زكاة ماله سخرها الله لعدد غير قليل من المستحقين.

بعض أبناء حائل ممن تبوأ مراتب جيدة في التعليم والإدارة وسواها لم يبخل بما يسر الخاطر عن فعل خميس للخير فتحدث عن أيام اللوري ونقله للطلبة الذين كانوا يتلقون تعليمهم في القصيم والمدينة والرياض وغيرها ليوصلهم إلى الديرة.. لوجه الله تعالى.

تمور مزرعته التي أشغل أسرته في معالجتها وكنزها لا يتبقى منها في منزله سوى النزر اليسير وذلك فقط لأن الباقي يعمل على توزيعه قبل شهر الصوم الكريم ليكون لدى المحتاجين ما يعينهم خلال الشهر غير الكميات التي تصل إلى العمال في مواقع عدة.. ومن يوصلها؟ هو بنفسه وبلا علم من أي من أبنائه إلا ما يقومون بتوزيعه مباشرة على بعض الأسر المحتاجة بتوجيه منه، كل هذا غير الماء الذي كان يروي به عطش الكثيرين في أرجاء عدة من ضواحي حائل.

فعل الخير هذا صاحبه أكثر الخلق تأثيراً في النفوس وهو التسامح فقد كان هذا ديدنه مع كل من أخطأ في حقه، ولم يكن الأمر سهلاً ولكنه تعوده منذ بداية شبابه وصاحبه إلى يوم وفاته رحمه الله وكان ذلك يؤتي أكله فتعود الفائدة إلى مصلحته وجانبه في كل الأحوال.

عندما عجز الكبار عن التعبير من هول الصدمة في وفاته ولم يكن ذلك جزعاً منهم، فلم يكن لديهم سوى الدموع التي لا تمر سويعات إلا وتنسكب من جديد، كان للصغار موقف غريب جداً فقد تجمعوا في حلقة حول سيارته وطلبت ابنتي قائدة المجموعة من الصغار أن يتخيلوا أن جدهم (بابا خميس قاعد يسوق السيارة وما حنا مخلينه يروح).. لم يكن من الصغار أحد لم يعشق خميس عشقاً لبساطته وتبسطه مع كل واحد منهم بما لا يتحقق للآباء والأمهات الذين تعاملوا مع الصغار بما يشبه التربية العسكرية. الموقف الأغرب كان من الإبل التي شعرت بفقده وهو الذي كان يقضي معظم وقته في نهار كل يوم مصاحباً لها ومنادياً لها بأسمائها وحريصاً على تغذيتها وحلبها ومراعاة الضعيفة والمريضة منها.

قد لا يهم القارئ العزيز كل هذه التفاصيل ولكنا كما قدمت فضفضة أنفس بها عما تعج به النفس من مشاعر تجاه رجل شهم بسيط كل البساطة متسامحاً كل التسامح وسخياً كل السخاء.

رحمك الله يا عمي ويسر الله لأبنائك الاقتداء بمسيرتك العطرة وجعل كل ما فعلت من خير في موازين حسناتك وأوسع لك مستقرك في عالي الجنان.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد