Al Jazirah NewsPaper Tuesday  15/04/2008 G Issue 12983
الثلاثاء 09 ربيع الثاني 1429   العدد  12983
البيئة التعليمية وأثرُها في تعزيز الأمن
د. سعد بن محمد الفياض

الأمن هو مبتغى الشعوب، وأغلى أمانيها، الأمن يُبذل من أجله الغالي والنفيس، والأمن به تحفظ الأعراض وتحرس معه الأموال؛ لأنه لا حياة ولا استقرار بلا أمن!!، فمتى كان الإنسان خائفاً؛ فإنه لن ينعم بطعام ولا شراب، أوعلم أو صناعة.

والله تعالى قرن نعمة الطعام بنعمة توفر الأمن {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ{بل إن الله امتن على هذه الأمة بدعوة الخليل إبراهيم عليه السلام بقوله:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا....}من أجل هذا جاءت شريعة الإسلام مقررة هذا الأمر؛ بل والمحافظة عليه، وأكدت هذا الأمر من خلال نصوص الكتاب والسنة والتي بينت الحكمة من التشريع، والغاية من التنزيل؛ وهو الحفاظ وصون ما يسمى بالضرورات الخمس (الدين، والنفس ، والعقل، والنسل، والمال)، فكل تشريعات الإسلام، وأوامره ونواهيه، وقواعده وواجباته، جاءت لتأكيد هذا الأمر، فحرم الإسلام الشرك بأنواعه، صيانة لجناب التوحيد وحرم القتل والترويع والتهديد، حفاظاً على النفس المعصومة، وصيانة لكرامة الإنسان، وحرم المسكرات والمخدرات، صيانة للعقل الذي ميز الله به بني آدم عن بقية المخلوقات، وحرم الزنى والفواحش، صيانة للأعراض والأنساب، وحرم السرقة والربا والغش والتعدي على الأموال والمكتسبات أو إتلافها، كل هذا صيانة لأموال الناس وحماية لمعاشهم، فالأمن في الإسلام ذو شأن عظيم ومقصد نبيل، به يُرفع للدين راية وللإسلام منارة.

والأمم تتسابق في توفير الوسائل، وتهيئة السبل بل وتبذل كل ما تستطيع من عُدة وعتاد، من أجل الأمن وإرساء الاستقرار، ونحن في هذه البلاد (المملكة العربية السعودية) نعيش في أمن وأمان، وراحة واستقرار والذي تتمناه وتتطلع إليه كثير من الدول؛ وكل هذا بفضل الله ثم التمسك بهذا الدين عقيدة وشريعة، وكذلك ما وفرته هذه البلاد وجندته من مال ورجال، ووقت وجهد من أجل إرساء هذا الأمر وتثبيته من خلال رجال الأمن والعيون الساهرة على أمن الوطن والمواطن، فإذا كان هذا هو دورهم وواجبهم، فهناك رجالٌ في الميدان عليهم واجبٌ لا يقل أهمية عن واجب إخوانهم رجال الأمن ألا وهم رجال التربية والتعليم؛ وذلك من خلال غرس مفهوم الأمن في نفوس الناشئة، وبيان أهميته، وإيضاح آثاره وكذلك نتائج زعزعته أو انعدامه، من خلال إلقاء الدروس اليومية أو المحاضرات التربوية، المبنية على نصوص الكتاب والسنة، وأقوال السلف الصالح التي تبين منزلة حب الوطن والانتماء إليه في النفوس، وأهمية الأمن ومكانة الاستقرار في الأوطان، ومدى أثر ذلك على عبادات المسلم ومعاملاته، ورزقه ومعاشه، بل وحياته كلها. كذلك المقررات الدراسية لا بد أن يكون لها النصيب الأوفر في غرس حقيقة المواطنة الصالحة والتي تعني الأخوة الصادقة، والمحبة والألفة، والاجتماع والوحدة، ونبذ التفرق والعصبية، أو الخروج على جماعة المسلمين وإمامهم، أو تفريق كلمتهم والعمل على زعزعة وإثارة ما يضعف هذه الوحدة، و يشتت هذا الاجتماع، لا بد من غرس هذا المفهوم، أعني مفهوم الأمن والمحافظة على المكتسبات قولاً وفعلاً من خلال الممارسات اليومية في البيت والمدرسة والمجتمع والتأكيد على أهمية المحافظة على الضرورات الخمس وبيان عظم شأنها ومدى أثرها. وعلى وكالة التطوير التربوي العبء الأكبر في بث هذه القضايا والموضوعات في مقرراتها وكذلك إدارات التربية والتعليم عليها تدريب كوادرها ومنسوبيها وتذكيرهم بهذا الأمر، لذا تجد المرء يتساءل ما نصيب المواضيع التي تبين الضرورات الخمس وأهميتها في مقرراتنا؟! وأين موقع القواعد الفقهية من الميدان التربوي؟!! نعم إن المتأمل في الميدان التربوي سواء المقررات أو العاملين لا يجد تفعيلاً أو نشراً لهذا الثقافة (ثقافة الأمن) إلا ما ندر!! فأين قاعدة (لاضرر ولاضرار)؟ أو قاعدة (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة)؟ أين مناهجنا من (فقه الأولويات)؟ وفقه (إنكار المنكر ومراتبه) أين مناهجنا من فقه (منزلة الذمي والمعاهد في الإسلام ومنهجية التعامل معه) إنها قواعد تؤصل الأمن وتثبت أركانه، وتزيل الفوضى والاضطراب، لا بد من نشر ثقافة القواعد الفقهية، المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بين منسوبي التعليم وتفعيلها في الميدان التربوي من خلال المقررات الدراسية والأطروحات الدينية التي يلقيها أصحاب الفضيلة العلماء في المحاضن التعليمية، فالإسلام يقوم على الأولويات وعلى أركان وواجبات ومسنونات، والإسلام قدم درء المفسدة على جلب المصلحة قال تعالى:{وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ..}فنهانا الله عن سب آلهة المشركين مع أنها باطلة؛ لئلا يُسب الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن هدم الكعبة وبنايتها على قواعد إبراهيم؛ لأن قومه قريب عهد بجاهلية. فدفع المفسدة أولى من جلب مصلحة قد تؤدي إلى مفسدة عظمى، لا بد من نشر لغة وثقافة الحوار وكيفية خطاب المخالف وآداب التعامل معه في مناهجنا وآليات تعليمنا.

لذا فإن تعزيز مفهوم الأمن بجميع أنواعه فكرياً واجتماعياً واقتصادياً يبدأ من البيت ويعزز مفهومه من المدرسة من خلال منهجية مؤصلة قائمة على قواعد فقهية راسخة مدعمة بالدليل الشرعي، ذات رؤى مستفيضة تؤمن بالسُنن وتحيط بالواقع وتتشرف المستقبل وتفكر في العواقب والغايات.



Saad.alfayyadh@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد