يظل الأمن قضية ترتبط بقطبين أساسين يتّحدان في الهدف ويتشاركان في المهمة، فالقطب الأول تمثله أجهزة الأمن، والثاني يمثله المجتمع على مختلف أطيافه، فالأمن مطلب ضرورة واستقامة حياة يضطلع به الكل من أجل الكل، فلم يعد الأمن حبيس مفهوم فرض كفاية يقوم به رجال الأمن ويسقط عن باقي أروقة المجتمع من منطق أن الأمن مسؤولية جماعية يشارك في استتبابه الفرد والجماعة مع أجهزة الأمن لتتوازن معادلة المسؤولية الأمنية التي تقوم على أساس نظرية تكاملية بين مجهود أمني وآخر مجتمعي متناسق الأدوار، إن الصورة النمطية السائدة في مجتمعنا أن تلك الأجهزة هي وحدها المسؤولة عن حفظ الأمن وتتحمل تبعاته وربما تكونت هذه الصورة بسبب أن تلك الأجهزة كانت تقوم بمهامها في نطاقات محدودة ومهام تقليدية لم تعد كافية في غياب الدور الوطني. فعالم اليوم وحضارته وما أدراك ما حضارته وعصرنا ومتغيراته ويالها من متغيرات تلونت فيها المعاملات وتقولبت فيها المفاهيم عصر تطورت فيه وسائل الجريمة وأساليب الانحراف، لقيت فيه الجريمة مرتعاً للتكاثر في محاضن الانحراف وظلاميات الأفكار الملوثة حيث سادت في أتون مجاهلها أنواع وأشكال من الجريمة المنظمة وأعمال العنف والعمليات الإرهابية التي لا نكاد نصحو يوماً إلا على جديد فواجعها تستهدف الآمنين وتوقع بالأبرياء مما ضاعف مسؤولية الأجهزة الأمنية الأمر الذي استوجب أن يتطور تبعاً لها المنظور الأمني ليتم التعامل معها وفق منهجية عمل أمني تنازله في ساحة المواجهة بعزم وقدرة من خلال جهود متضافرة في سياق تعاون بين المؤسسة الأمنية والفعاليات الوطنية بمشاركة فاعلة وبحس وطني متناغم مع متطلبات مواجهة زخات العنف وتحديات موجات أعمال الإرهاب الممقوت شرعاً والمرفوض قانونا المستنكر عرفاً، ولكي تتحقق المعادلة الأمنية كان لا بد من حشد الهمم الوطنية لتتلاقى هموم الأمن في دائرة الوطن، فالوطن غلاوته تاج الهامات، الوطنية شعور ذو جذور تجذرت بالأرض، والمواطنة إحساس تعمق بالنفس ولامس الروح يترجمها المواطن قولاً صادقاً ويصوغها عملاً مخلصاً لبناء سياج أمني متعادل القوام.