Al Jazirah NewsPaper Tuesday  22/04/2008 G Issue 12990
الثلاثاء 16 ربيع الثاني 1429   العدد  12990
التعافي من أزمة كوسوفو
بقلم: روبرت سكيدلسكي *

كان إعلان كوسوفو مؤخراً لاستقلالها من جانب واحد سبباً في استحضار ذكريات قديمة. كنت قد عارضت علناً هجوم حلف شمال الأطلنطي على صربيا وهي المهمة التي قام بها الحلف باسم حماية أهل كوسوفو من الفظائع التي ارتكبها الصرب في حقهم في شهر مارس-آذار من العام 1999م آنذاك كنت عضواً في جبهة المعارضة أو حكومة الظل في مجلس اللوردات البريطاني. إلا أن وليام هوغ، الزعيم المحافظ آنذاك، سارع إلى نفيي إلى المقاعد الخلفية في مجلس اللوردات. وبهذا انتهت حياتي السياسية (القصيرة). ومنذ ذلك الوقت ظللت أسأل نفسي ما إذا كنت مصيباً أو مخطئاً حين اتخذت موقفي ذاك.

كنت أعارض التدخل العسكري لسببين. أولاً، رغم أن التدخل العسكري قد يفيد على المستوى المحلي، إلا أنه قد يلحق الضرر بالقواعد التي تحكم العلاقات الدولية كما كانت مفهومة آنذاك. فقد كان ميثاق الأمم المتحدة مصمماً بحيث يمنع استخدام القوة عبر الحدود الوطنية إلا في حالة الدفاع عن النفس وفرض الإجراءات التي يأمر بها مجلس الأمن. وهذا يعني أن حقوق الإنسان والديمقراطية وحق تقرير المصير ليست بالأسس المقبولة لشن الحرب.

ثانياً، كنت أزعم إنه بينما قد تبرز بعض الحالات حيث تكون انتهاكات حقوق الإنسان شديدة إلى الحد الذي يلزم المجتمع الدولي بالتحرك، بصرف النظر عن مسألة القانون الدولي، إلا أن كوسوفو لم تكن من بين هذه الحالات. وكنت أرى أن (الكارثة الإنسانية الوشيكة) التي كان التدخل العسكري يهدف ظاهرياً إلى منعها، ليست أكثر من اختراع. وكنت أزعم أن السبل غير العسكرية لحل القضية الإنسانية في كوسوفو لم تكن قد استُهلِكت بعد، وأن مفاوضات رامبولييه الفاشلة التي أجريت مع صربيا أثناء شهري فبراير- شباط ومارس- آذار 1999 كانت طبقاً لتعبير هنري كيسنجر (مجرد عذر للشروع في القصف).

ولقد تأكدت وجهة النظر هذه في التقرير الخاص بانتهاكات حقوق الإنسان في كوسوفو، الصادر عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والذي نُشِر في ديسمبر- كانون الأول 1999م، فقد أظهر التقرير أن مستوى العنف قد انخفض بصورة ملحوظة بعد أن تم وضع مراقبي منظمة الأمن والتعاون في كوسوفو في أعقاب الاتفاق المبرم بين هولبروك وميلوسيفيتش في الثالث والعشرين من سبتمبر- أيلول 1998؛ وأن انتهاكات حقوق الإنسان المنظمة لم تبدأ إلا بعد انسحاب المراقبين في العشرين من مارس- آذار 1999م، للإعداد للقصف.

وبين مارس- آذار ويونيو- حزيران 1999 -الفترة التي استغرقها القصف من جانب حلف شمال الأطلنطي- ارتفعت أعداد الوفيات والتفجيرات في كوسوفو بصورة هائلة. لقد أدت الحرب في واقع الأمر إلى التعجيل بحدوث (الكارثة الإنسانية). ورغم ذلك لم يكن تعبير (التطهير العرقي) الذي تشدق به أنصار التدخل في الغرب، مناسباً في أي وقت من الأوقات.

مما لا شك فيه أن الغارات الجوية التي شنتها قوات حلف شمال الأطلنطي، ثم إدارة كوسوفو بعد ذلك باعتبارها تحت الوصاية الدولية، كانت سبباً في تحسن الموقف السياسي بالنسبة لألبان كوسوفو. فلولا تدخل حلف شمال الأطلنطي لكانوا قد ظلوا حتى الآن مواطنين من الدرجة الثانية في صربيا. وفي مقابل هذا يتعين علينا أن ننظر إلى التدهور الواسع النطاق في الوضع الاقتصادي لكل أهل كوسوفو من الألبان والصرب (حيث بلغت نسبة البطالة 44%)، وانتشار الإجرام، فضلاً عن تطهير كوسوفو عرقياً من نصف أقليتها الصربية تحت حكم حلف شمال الأطلنطي.

ما زالت كوسوفو تعيش حالة من التيه السياسي حتى يومنا هذا. إذ يحكمها ألفان من مسئولي الاتحاد الأوروبي، وتحرس أمنها قوة مؤلفة من ستة عشر ألفاً من جنود الحلف. أما (استقلالها) فقد رفضته صربيا، ولم يعترف به مجلس الأمن، وعارضته روسيا والصين وأغلب الدول ذات التركيبة الوطنية التعددية في أوروبا وآسيا، والتي تخشى أن يكون استقلال كوسوفو بمثابة السابقة التي تسمح بتفكيكها. حتى أن وزير خارجية روسيا، سيرجي لافاروف، سارع إلى إرجاع الاضطرابات التي شهدتها التيبت إلى إعلان كوسوفو لاستقلالها.

ما زال العصيان الصربي والتقسيم الفعلي لكوسوفو من الأمور المحتملة، وما زال علينا أن نتعامل مع التأثيرات المزعزعة للاستقرار، والناجمة عن استقلال كوسوفو، على دول البلقان المقسمة الأخرى، مثل البوسنة ومقدونيا. ويتفاقم الخلل في التوازن حين نتحدث عن العلاقات الدولية. فقد كانت كوسوفو بمثابة الذريعة لشن الحرب في العراق، حيث تبلور مبدأ التدخل لأسباب إنسانية في مبدأ (الحرب الوقائية) الذي ابتكره الرئيس جورج دبليو بوش، والذي بموجبه ادعت الولايات المتحدة لنفسها الحق في مهاجمة أي دولة تستشعر منها تهديداً لأمنها القومي. وكما أكد كوفي عنان، أمين عام الأمم المتحدة آنذاك، فقد فتح ذلك الباب أمام انتشار الاستخدام الأحادي غير المشروع للقوة.

من بين العواقب المدمرة التي ترتبت على مبدأ بوش أنه يتجاهل ضرورة إثبات النية العدائية. وعلى هذا فقد بنيت مبررات غزو العراق على أدلة ملفقة، كما حدث في كوسوفو.

في مجمل الأمر، أعتقد أنني كنت مصيباً حين عارضت حرب كوسوفو. فقد كانت الحرب بمثابة استجابة رجعية لمشكلة دولية حقيقية: كيف نعمل على تلاحم الدول ذات العرقيات والطوائف الدينية المختلفة على نحو متحضر. منذ العام 1999 رفض أهل كوسوفو عروض الحكم الذاتي التي طرحتها صربياً، وذلك لأنهم كانوا على ثقة من الدعم الأميركي لاستقلال بلادهم.

يتعين على دول الغرب أن تفكر على نحو أكثر جدية في المدى الذي ينبغي عليها أن تذهب إليه في فرض أجندتها الخاصة بحقوق الإنسان على الدول بنفس القدر من القوة والإرادة الذي تتبناه في الدفاع عن سلامة أراضيها. ففي ظل الزعامة الأميركية برز الغرب باعتباره القوة المتحفزة المزعجة في عالم الشئون الدولية. وربما كان لزاماً على الصين أن تمنح التيبت قدراً أعظم من حكم الذات؛ ولكن هل من المعقول أن نتصور أن يكون تحويل الدلاي لاما إلى زعيم عالمي، أو التهديد بمقاطعة الألعاب الأوليمبية في بكين، هو الوسيلة الأمثل لتأمين صفقة أكثر عدلاً بالنسبة لأهل التيبت، أو الفوز بالتعاون من جانب الصين فيما يتصل بأمور أعظم أهمية من وضع التيبت؟

لن تخطر مثل هذه الأسئلة على أذهان الناشطين المتحمسين لعدالة قضيتهم. ولكن زعماء العالم لابد وأن يتعاملوا مع هذه الأسئلة بقدر أعظم من الجدية.

* روبرت سكيدلسكي عضو مجلس اللوردات البريطاني، وأستاذ فخري لمادة الاقتصاد السياسي بجامعة وارويك، ومؤلف سيرة الاقتصادي البارز جون ماينارد كينيز التي حصلت على جوائز، وعضو مجلس إدارة كلية موسكو للدراسات السياسية.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2008 - خاص بالجزيرة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد