Al Jazirah NewsPaper Wednesday  23/04/2008 G Issue 12991
الاربعاء 17 ربيع الثاني 1429   العدد  12991
لاءات ضرورية في العملية التعليمية
د. فوزية عبد الله أبو خالد

تجاوباً مع موضوع (السبت مطلع هذا الأسبوع ) التربوي الجميل الذي طرحته الزميلة صاحبة القلم النزيه؛ حيث نورت عودتها إلى الجزيرة عتمة حبرنا د. فوزية البكر والذي حمل لمحة ميدانية ذكية من أطروحة كتابها التربوي الرائد (مدرستي صندوق مغلق) فإنني أقوم هنا بطرح بعض الرؤى والآراء المتعلقة بموضوع التعليم النظامي بالمجتمع السعودي. .....

..... عل فيها بعض ما يعبر عن تطلع ومطالب الإصلاح الإداري والتربوي في مؤسسة التعليم ما قبل الجامعي. وألخص تلخيصا - أرجو ألا يكون مخلا- بعض هذه الآراء في (ثلاث لاءات) تشكل عند البحث فيها بعض المطالب التي قد تشكل في اجتهادنا نوعا من البديل الإصلاحي (للسائد البائد ) من أنظمة وممارسات التعليم في المدارس السعودية بشقيها الحكومي والأهلي. وهي:

- لا لتطوير المناهج بحسب مقتضيات الموقف السياسي، أو استجابة لأي ضغوط، ولا للتطوير المجتزأ أو غير المدروس، ونعم للتطوير المستمر والمستدام. وهذه النقطة نظرا لحساسيتها ونظراً لما تتعرض له من سوء فهم لا بد من التوقف عندها وفحصها وتوضيحها. فقد ثار لغط يربط بين مطلب تطوير المناهج وبين ما شاع، وهو غير دقيق، ولا يجب أن يكون صحيحا بأن هذا التطوير إنما يأتي كاستجابة لظرف الضغوط السياسية الخارجية. هذا مع العلم أن مطلب تطوير المناهج مطلب قائم ومشروع, وكانت تلهج به ألسن الكثير من التربويين والمهتمين بالشأن العام ويطالب به عدد كبير من الأكاديميين والمربين وحتى أهالي التلاميذ ويلحون في طلبه قبل أن يبدأ رواج مقولة الضغوط الخارجية بردح طويل من الزمان، وذلك لأن مطلب تطوير المناهج مطلب تربوي مشروع ومشتهى لا غنى لأي عملية تعليمية عنه. ولهذا فليس لقول إنه مطلب مرتبط بهذه الضغوط أو تلك أي مكان من الصحة ولا يجب استخدامه أو ترويجه كورقة ابتزاز اجتماعي. فهذا قول مردود لأنه غير سليم، ولأنه لا يؤدي إلا إلى ذر غبار الفرقة الاجتماعية وإعاقة تطوير المناهج بما يجعل مناهج التعليم غير قادرة على إعداد أجيال نعدها علميا وتربويا لزمان غير زماننا ولمهام حمل راية المستقبل. والحقيقة أن الحل والمطلوب كضرورة تربوية لا تراجع عنها هو أن تكون هناك فلسفة تعليمية وتربوية، وخطة إستراتجية وأخرى مرحلية لتعليم البنين والبنات، كما في جميع أنظمة التربية والتعليم في المجتمعات الحريصة على تقدمها. بما يقتضي مراجعة المناهج وإعادة النظر فيها وتطويرها كل خمس سنوات. فلا يكون التطوير عملية مقطوعة لا تحدث - إن حدثت - إلا مرة واحدة في كل ربع قرن وبعد أن تبدأ العثة من فرط قدم المناهج وتقادم معلوماتها وأساليبها تأكل أدمغة التلاميذ والمعلمين معا.

وقبل أن أنتقل عن هذه النقطة لا بد من القول إن عملية تطوير المناهج وسواها من مقتضيات تجويد الأداء التعليمي وتعريضه للهواء الطلق بشكل دوري يجب أن تكون عملية جذرية، وتشمل جميع المعارف المقدمة للتلاميذ العلمية والأدبية والدينية والجغرافية والتاريخية والاجتماعية، وهذا لا يعني - لا سمح الله- بأي حال من الأحوال - كما قد يريد أن يفهم البعض- الانقضاض على الثوابت العقائدية وبخاصة في مجال مقررات المنهج الديني، ولكنه يعني المراجعة التطويرية التي تجعل من جميع المقررات بما فيها مفردات المقررات الدينية قادرة على تقديم أفضل ما يمكن من جوهر محتواها مع العمل على ربطها بالواقع المعاش.

وفي هذه النقطة لا بد من المصارحة بضرورة أن تكون مراجعة تطوير المناهج بالإضافة إلى شرط أن تكون مستديمة وجذرية وأن تكون عملية مدروسة تأخذ مداها من الوقت والجهد ولا يبخل في الصرف المالي عليها بما تستحقه. فلا يكون التطوير عملية قص ولزق بتشكيل لجان طارئة ومستعجلة أو استعارة عمياء لبعض لمسات التطوير من مناهج دول الجوار لإجراء بعض الجراحات التجميلية من الخارج على بعض المناهج دون تمحيص علمي أو تجديد معرفي فعلي للمناهج.. فلا بد أنه لا يخفى على وزارة التربية والتعليم عندنا إحجام بعض الباحثين والتربويين الجادين عن الاشتراك في لجان التطوير عندما يعرض عليهم، أو يكون المطلوب منهم تقديم (وصفة سحرية) لتطوير المناهج في ظرف ثلاثة أو ستة أشهر، بينما مثل هذه العملية إذا كانت ستؤدى بأمانة علمية فهي تقتضي عملا استقصائيا يأخذ مداه من البحث والدراسة واستطلاع آراء المعنيين مباشرة بالعملية التعليمية، وبخاصة آراء المعلم والمعلمة، وبطبيعة الحال آراء الآباء والأمهات والتلاميذ لتقييم تجربتهم في نوع وكم ما يقدمه لهم التعليم لوضعها في عين الاعتبار عند القيام بعملية المراجعة والتطوير دون أن يعطي ذلك فرصة لمد الحبل على الغارب في عملية البحث والمراجعة والتجديد للمناهج إلى آجال غير مسماة بحيث لا يظهر قرار تجديد المناهج إلا بعد أن تكون قد باتت أوانتهت صلاحية المناهج التي أقرت، خصوصاً أننا في عصر متجدد معرفيا وتقنيا بسرعة قياسية..

- لا للتعليم التلقيني والترديدي، ونعم للتعليم البحثي والتساؤلي والتحاوري. وفي هذه النقطة أكتفي بالقول إن الذي يريد أن يطلع على فداحة مخرجات التعليم التلقيني والترديدي ودورهما في تعطيل طاقات الأجيال وسلبهم ملكاتهم العقلية والفكرية يمكنه أن يفعل ذلك بمراجعة عدة أوجه مما عليه حال بعض الشباب في مجتمعنا، ومن ذلك نكتفي بالتوقف على حالة الكثير من طلاب وطالبات الجامعات لهذه المرحلة الراهنة. فعدد من الطلاب والطالبات يصلون إلى مرحلة التعليم الجامعي دون التعرف على أداة واحدة من أدوات البحث العلمي، وذلك ليس لقصور منهم، ولكن لأن معظمهم تخرج من المرحلة الثانوية دون أن يتعرض لتجربة واحدة في عمل البحث أو في الحصول على المعرفة عن طريق البحث بمجهوده الشخصي.

إن معظم المدارس غير مهيأة، لا من حيث المباني/ معامل ووسائل تقنية وزيارات ميدانية ولا من حيث إعداد المعلمين والمعلمات ولا من حيث الإستراتجية التعليمية على أن يكون الأسلوب البحثي في التعليم جزءاً من يومها الدراسي وخطتها وهدفها التعليمي. وطلابنا مع الأسف لا يأتون إلى الجامعة ولم تمر مفردة البحث في قاموسهم التعليمي وحسب بل إن الكثير والكثيرات لا يتخرجون من المرحلة الثانوية، إلا وقد فقدوا ما قد حبا الله به الإنسان من نعمة الاستعداد للتفكير، والتفكير المنطقي والرغبة في الفضول المعرفي وجرأة الأسئلة والقدرة على الحوار والاقتناع العقلي. ولذا فعلينا ألا نلوم الشباب والشابات، بل نلوم أنفسنا ونظامنا التعليمي عندما يكون من مخرجات التعليم المدرسي بل والجامعي أحيانا فوج من الأجيال التي لا تستطيع أن تبدي وجهة نظرها إلا بالانسحاب أو بالحيلة والخنوع أو العنف. مما جعل بعضهم سهل الانقياد في تفكيره لما قد لا تحمد عقباه بسبب عدم تمرينه من نعومة الأظافر على دربة العقلنة والحوار والتساؤل والبحث والمصارحة.

والكلمة الأخيرة تنقلنا إلى النقطة الثالثة من الطرح :

- لا للتعليم الذي يسلب التلاميذ الجرأة في الحق والحق في التساؤل المعرفي وفي حفظ حق التلميذ/ التلميذة كإنسان لا يسقط ولا يخل صغر سنه بإنسانيته، ونعم للتعليم بالكرامة وبتعليم التلاميذ الأساليب السلمية في التعبير عن الآراء ومناقشتها دون محاولة فرضها على الآخرين بالإكراه.

وفي هذا نقول: صحيح أنه جرى منع الضرب في مدارس البنين والبنات، وهذا عمل مطلوب ومحمود، و لكن وحسب ما نتابع من آراء بحثية وحسب ما تشير له بعض مخرجات التعليم العام فإن تعميم أسلوب التعليم بالكرامة وبأسلوب المشاركة والتسامح الفكري وبتشجيع المصارحة وبعدم الاعتماد على بعض أساليب الإهانة وتسفيه آراء التلاميذ ومشاركتهم لا يزال مطلبا ملحاً نأمل أن يجد طريقه وتطبيقه في الأساليب العملية للعمل به وتعميمه لينعم به كل المنتمين على التعليم إداريا وتعليميا وتلاميذ وتلميذات.

هذا.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.







لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5148 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد