Al Jazirah NewsPaper Wednesday  23/04/2008 G Issue 12991
الاربعاء 17 ربيع الثاني 1429   العدد  12991
قلب لا يعرف الهرم!
عزيزة بنت محمد القعيضب

قلب كبير يتسع للدنيا بما فيها.. يشارك الآخرين أفراحهم وكأنه فرحه.. يحمل هموم الآخرين وكأنها همومه.. دائم البشر.. طلق المحيا.. يحمل الفرح في يد وضماد الجروح في اليد الأخرى....

ذاك هو القلب الذي لا يعرف الهرم ولا يشيخ أبداً فكم من عجوز احدودب ظهره وتهدج صوته ونفرت عروقه ومع هذا تجد الابتسامة وقد علت ملامح وجهه واستحوذ التفاؤل كل جزء في كيانه لا تتسرب للنفوس الملل من مجالسته ولا يتهرب الآخرون من الاقتراب منه بل هو الشرف أن يكون في حياتنا من يحمل هذا القلب الذي يتحدى الهرم الإنساني!

هذا القلب يسقيك كأس التفاؤل والأمل ويمنحك الشعور بأن الدنيا لا تقف عن حد الحزن واليأس، يلبسك أحلى حلل السعادة، يضمك، يحتويك، يحتوي كل ما فيك، معه تشعر أن للدنيا طعماً آخر ولذة تحرص على أن تتذوقها معه فمعه ومعه فقط ترى الدنيا أجمل من قصائد الشعراء، أجمل من قصص الخيال وأحاديث السمر وتمنيات الحالمين!

معه ترى الحياة تُغمس روحك في بحر العطاء بل تتشرب نفسك وأنفاسك بعطور الفرح وتنتشي شرايينك وأوردتك بجرعة التفاؤل الذي لا تشربه إلا من يد صادقة العطاء تعطيك كما تعطي نفسها وتتمنى لك الخير كما تتمناه لنفسها ترحل بك بعيداً حين تحاصرك الهموم لتعيش معه في أمان ويحنو عليك كما تحنو الأم على وليدها.

هذا القلب لا يباع ولا يشترى ولكن حين نمتلكه نمتلك الدنيا بأسرها ولا يفرط فيه فهو لا يقدر بثمن ولا يمكن أن تجد مثله في هذا الزمن فالصدق في التعامل عملة نادرة قلما توجد.

هذا القلب يعطيك حتى أنك تنسى أنك تأخذ ويأخذ منك همك حتى تنسى أنك في هم يود لو أنه يملك فرح العالم ليصبه في قلبك ويمسح دمعتك ويربت على كتفك ويشعرك أنه معك إلى آخر يوم في حياته لأنه قلب صادق أحبك لذاتك ما كان يريد منك إلا ذاتك فقط.

قلب لا يهرم أبداً تعيش معه وإن لم يكن في داخلك، تعيش معه وإن أشغلتك الدنيا عنه وعقدت العزم على الرحيل، تعيش معه لأنه يتنفس شعوره بقربك منه وإن ابتعدت، تعيش معه لأنك منه وإن لم يكن منك!

قلب لا يعرف الهرم قلب يضم ذكرياتك بين جوانحه ويخفي حباً لك لا يعلم مداه إلا علام الغيوب وحده، يدعو لك في جنح الظلام وقد اغرورقت عيناه منطرحاً بين يدي الله يسأله التوفيق لك والسداد في حياتك، يخاف عليك كما يخاف على نفسه وربما يزيد، يتمنى أن السعادة توهب ليهبك إياها وأن الفرح يشترى ليقدمه لك بكل حب ونقاء قلب، وحين تبتعد يخفق قلبه شوقاً وحنيناً إليك إلى أن تعود ليعود معك الأمل.

ربما من المستحيل أن يكون في الدنيا قلوب كثيرة كهذا القلب ولكنه بيننا يعيش ولكم نحن مقصرون في حقه فهو (يقتات) على نفقات إحساننا ويتضور جوعاً وعطشاً والزاد والماء بين أيدينا لا يكلفنا شيئاً!

يرمق الفرح في عيون الآخرين ينتظر منهم البشرى بفرح قريب وأقل الفرح يسعده!

يريد ويتمنى ومع هذا نقتل الأماني في نفسه قد تكون الأنا هي الدافع وقد يكون عدم الشعور بحاجاته هو المحرك للتعامل معه بقسوة وقد يكون - وهذا الأقرب - لأننا غارقون في ذواتنا فننسى - أو نتناسى - أن بيننا قلباً أهدانا أجمل ما عنده فتجاهلنا مشاعره وشعوره!

إن أقسى الجروح حين تأتي ممن يفترض أن يكونوا هم الأطباء الحقيقيون لكل أسقام القلوب، هم من لهم القرب في القلب ولهم الحظوة الكبرى بمكانة لم يصل إليها غيرهم ممن كان لهم سبق المعرفة وكثرة القرب والتقرب!

جرحك له يا هذا لن يبرأ ما دمت تسقيه كأس الجفاء والبعد ألواناً، جرحك لن يبرأ ما دمت تبتعد وتزيدك الأيام ابتعاداً وصمتاً.

لا ترحل وقد أوغلت سكين البعد.. داو جرحك.. امسح آثار النزف.. استبدله بالحب الذي قدم ويقدم لك فهذا القلب نادر الوجود صادق الحب مخلص لا ينسى ما كان بينك وبينه.

قلب لا يعرف الهرم حقه التكريم في حفل ليس بالضرورة أن يحضره العالم يكفيه حضورك أنت ووجه دعوة لأحاسيسك فهي ستشهد عودة الحياة للقلب الذي أعطاك بصدق.

قلب لا يعرف الهرم يحتاج منك أن تعطيه كما كنت وتسمح له بأن يعطيك كما كان فإن تغير الزمان فالقلوب الصادقة لا تتغير أبداً فكم من قلب تسرب الشيب إليه ولعبت به الأحزان ومع هذا لم يتغير إن أتاك فاستقبله وإن ابتعد - لجروحك - فابحث عنه وعد إليه ولا تغتر بأن في حياتك من ينسيك جميل صنيعه وعطور حبه وخوفه عليك.

عد إليه وافتح قلبك له فهو الأمن لك كما كان وهو الحب كما كان وهو العطاء الذي لا ينضب أبداً.. عد إليه وافتح قلبه سيسعد بك لأنك تريده ولا تتوقع الصد منه فهو قلب لو لم يكن يحبك لما بحث عنك ودعاك بمفردك دون هذا الكون بأسره.

عد إليه وثق تماماً أن القلب الذي لا يهرم هو قلب يحبك لذاتك ويريدك لذاتك فلا تتوقع منه إلا كل خير فهو لك وإن لم تكن له فأسرع إليه واطبع عليه قبلة حب صافية أفلا يستحق الآخرون منك الذين يحبونك بكل ما فيهم حبك وحنانك وتقربك وودك وصفاء نفسك التي صدأت بالبعد؟؟!

عد إلى القلب الذي لا يهرم ولا يموت حبك فيه وبث همومك وأحزانك وأعلن حاجتك له فالكبرياء تقتل الصفاء ولا يأتي بخير مهما كانت الدوافع والأسباب..

أنت يا من له في حياته قلب محب عد إليه وراقب الفرح كيف سيكون في حياتك من جديد وكيف ستذوب صنوف المشاعر السلبية في حياتك كان هذا أماً أو أباً أو ابناً أو أختاً أو صديقاً.. عد إليه فهو قلب يستحق العودة والتضحية من أجله لا لشيء إلا لأنه قلب لا يهرم رغم كثرة الجراح المثخنة على مر الأيام والسنين!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد