Al Jazirah NewsPaper Monday  28/04/2008 G Issue 12996
الأثنين 22 ربيع الثاني 1429   العدد  12996
طالب بإتاحة الفرصة للعمل في إدارة أراضي الأوقاف.. د. المدخلي:
المعتدي على أرض الوقف ظالم والإبلاغ عن الأوقاف المجهولة نصرة

قال فضيلة مدير المعهد العلمي بصامطة الدكتور أحمد بن علي المدخلي إن الإبلاغ عن الأوقاف المجهولة من أبواب الأجر العظيمة التي ينبغي على المسلم عدم تفويتها. وقال في معرض حديثه في ندوة التصرفات في الأوقاف المقامة برعاية أمير منطقة جازان في 20-22-4-1429هـ إنه من المعلوم في أحكام الوقف أنه من أوقف وقفًا فقد خرج عن ملكه وأصبح ملكاً لله تعالى تصرف منافعه فيما حدده الواقف من القرابة وغيرهم من الفقراء والمساكين والمنافع العامة. ولكن بعض الناس يتجاهلون هذا الحكم فترى الواحد منهم يتصرف في الوقف كأنه ملكه ويتجاهل شرط الواقف سواء كان الواقف مورثه أو غيره، بل يسعى بعضهم لبيع أرض الوقف أو البناء فيه متجاهلاً شرط الواقف. ومن واجب المسلم الذي يعلم عن هذا التصرف أن يبلغ الجهة الحكومية المسؤولة عن الأوقاف في جهته لأن هذا من التعاون على البر والتقوى وقد قال تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).

وأضاف الدكتور المدخلي: إن الإبلاغ عن الأوقاف المجهولة نصرة لمن وضع يده على الوقف بردعه عن ظلمه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) قالوا يا رسول الله أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً قال (ترده عن ظلمه).

وقال المدخلي: إن المسلم عندما يعلم عن وقف لم يبلغ عنه فهو شاهد بذلك ومن صفات المؤمنين القيام بشهاداتهم، قال تعالى (وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ)، أي يشهدون بما يعلمون لا يزيدون على ذلك ولا ينقصون. ولا شك أن الساكت عن الإبلاغ كاتم للشهادة، وقد نهى الله تعالى عن ذلك، قال تعالى (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).

مستشهداً بتفسير السعدي لهذه الآية حيث قال: نهى الله المؤمنين عن كتم الشهادة لأن الحق يثبت بها، فكتمها من أعظم الذنوب لأنه يترك ما وجب عليه من خير الصدقه ويترتب على ذلك فوات حق من له الحق.

وبين الدكتور أحمد أن في عدم الإبلاغ عن الأوقاف المجهولة تبديل لوصية الموقف، وقد قال تعالى (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فمن بدَّل الإيصاء ومنه الوقف فقد تحمل إثم التبديل وبخاصة أنه قد سمع الوصية بالوقف وعقلها. وليعلم المتسترون على الأوقاف أن الله سميع لأقوالهم في إبطال الوقف، عليم بأفعالهم.

وأضاف المدخلي وهو يعدد الأسباب والأدلة الحاثة على الإبلاغ عن الأوقاف المجهولة: إن في الإبلاغ عن الأوقاف المجهولة ضمان استمرار الأجر على الموقف الذي قد يكون ميتاً فتكون من الصدقة الجارية التي يستمر أجرها بعد موت الميت، وفي ذلك أيضاً ضمان حق الموقوف عليه الذي حدده صاحب الوقف، وفي عدم الإبلاغ حرمان له من حقه، وقد قال تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا...).

وفي محور آخر من حديثه تطرق الدكتور أحمد إلى ضوابط تنمية الأوقاف حيث بين أنها من مهام الناظر عليها، فإذا كانت نظارة الوقف مسلمة للدولة فإنها تسعى للاستفادة من هذا الوقف وتحقيق شرط الواقف بالطرق المناسبة مثل تأجير الوقف، إما للبناء فيه والاستفادة من العائد من المباني التي تبنى فوق أرض الوقف التي تؤول فيما بعد لتكون ملكاً للموقوف عليهم، كما ويمكن أيضاً تأجير الأرض الزراعية من الشركات الزراعيه بأجر مقطوع أو تسليمها مزارعة أو مساقاة لمن يعمل فيها بجزء مشاع من عائدها، وقد يقوم الناظر بزراعة أرض الوقف وله أجر المثل.

وأوضح أنه من وسائل تنمية الأوقاف إتاحة الفرصة لأبناء المجتمع للعمل في أراضي الوقف إدارة أو عمارة أو غير ذلك من أنواع العمل،

ومن طرق الاستثمار والتنمية أيضاً تسليم بعض الأوقاف للشركات الاستثمارية للبناء فيها واستثمارها على الوجه المطلوب، وقد ظهرت أمثلة ذلك في أوقاف الحرمين التي سلمت شركة مكة وغيرها من الشركات فتضاعفت عائداتها مع ضمان أن تصبح هذه الأوقاف مستقبلاً مملوكة بالكامل للموقوف عليهم سواء كانت جهات خاصة أو عامة، ويلاحظ في كل ذلك إيجاد الجهاز الإداري المتخصص من مهندسين وعلماء اقتصاد وشريعة لتتم تنمية الأوقاف بالطرق الشرعية مع الحرص على تنفيذ شروط الواقف.

ثم انتقل المدخلي إلى المحور الثالث من بحثه حيث تحدث عن حرمة التعدي على الأوقاف وقال: عندما يوقف الواقف الوقف ينتقل من ملكه إلى ملك الله ويحرم التصرف فيه بغير شرط الواقف، ولكن من الناس من يبيح لنفسه التعدي على الأوقاف، وهذا محرم بنص كتاب الله تعالى وسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم أن التصرف في الوقف لا يكون إلا بإذن القاضي في بلد الوقف الذي يشرف مباشرة على تنفيذ شرط الواقف وإقامة الناظر على الوقف وعزله متى تبين عدم أهليته لذلك، كما يقوم ببيع الوقف إذا تعطلت منافعه ونقله إلى جهة أخرى مماثلة ولها حاجة إلى الوقف.

وأضاف المدخلي: المعتدي على أرض الوقف ظالم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أراضين)، وهو مبدل لشرط الواقف، وقد قال تعالى (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ)، وهو متخوض في مال الله بغير حق، وقد روى البخاري عن خولة بنت عامر الأنصاري وهي امرأة حمزة رضي الله عنها قالت: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة).

ومعنى يتخوضون: يتصرفون، ومن ذلك الاعتداء على الأوقاف التي هي من أموال الله تعالى، وقد منع الفقهاء الناظر على الوقف من التصرفات المضرة بالوقف، ومن أمثلة ذلك رهن الوقف لأن هذا يفضي أن يستوفي منه المرتهن، وكذلك إعارة الوقف لأن هذا يحجب منافعه عن الموقوف عليهم.

ثم انتقل الدكتور أحمد إلى المحور الأخير من بحثه الذي خصصه لذكر نماذج من رعاية الدولة للأوقاف حيث قال: إن المملكة العربية السعودية -حرسها الله- قامت على تحكيم شرع الله كتاباً وسنة في كل شؤونها، ولما كانت الأوقاف قربة إلى الله تعالى يرجو أصحابها استمرار أجرها في حياتهم وبعد مماتهم حرصت الدولة -أيدها الله- على رعاية الأوقاف والعمل على حفظها وتنميتها وفق شرع الله تعالى، وقد عني الدين الإسلامي بالأوقاف منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حين بنى مسجده على أرض أوقفها يتيمان من الأنصار، وأوقف سبعة بساتين أوقفها مخيرق اليهودي بعد أن أسلم وجعل التصرف فيها للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن استشهد في أحد. وهكذا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم الى وقتنا الحاضر. وعندما ولي الملك عبد العزيز -رحمه الله- المملكة العربية السعودية عني بالأوقاف وبخاصة المساجد فأمر بعمارة المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وأتم ذلك أبناؤه من بعده حتى كانت التوسعة العظيمة في عهد الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- التي لم يحصل مثلها في التاريخ وما تبع ذلك في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله تعالى- والذي أمر بإتمام ما بدأ به أسلافه من عمارة الحرمين والمشاعر في منى ومزدلفة وعرفات وغيرها، وحرصاً على استمرار هذا الخير بادر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بشراء وقف والده الملك عبد العزيز على الحرمين الشريفين الذي يشاد بجانب المسجد الحرام ليكون صدقة جارية على ذلك الملك الصالح عبد العزيز -رحمه الله- ولم يقتصر دور المملكة على المحافظة على الأوقاف الخيرية في الأراضي بل ساهم ولاة الأمر في طباعة الكتب النافعة وتوزيعها على طلاب العلم منذ عهد الملك عبد العزيز إلى وقتنا الحاضر، والذي توج بإقامة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف وترجمة معانيه بالمدينة المنورة، والذي عمم مشارق الأرض ومغاربها مجاناً.

واختتم المدخلي بحثه بعدد من النتائج كان من أهمها ضرورة حصر الأوقاف الموجودة وحث الجهات المسئولة على اختيار المتعاونين في كل مدينة وقرية ليتم من خلالهم التعرف على الأوقاف المجهولة والإبلاغ عنها، كما حث المدخلي العلماء والمفكرين والخطباء على إحياء دور الوقف ودعوة الموسرين إلى التقديم لأنفسهم واقتراح الأوقاف النافعة كالجامعات الخيرية ودور العلم والمكتبات العامة، وحث طلاب العلم على التبرع بمكتباتهم الخاصة للمكتبات العامة بعد موتهم لما في ذلك من الأجر الذي يحوزونه، وطالب المدخلي بالحرص على تنمية الأوقاف القائمة لتحصل منها الفوائد العامة للأفراد والجماعات.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد