Al Jazirah NewsPaper Saturday  03/05/2008 G Issue 13001
السبت 27 ربيع الثاني 1429   العدد  13001
الكهانة والإدارة
عبد العزيز السماري

يتذمر الكثير من حياته العملية، ويكاد لا يمر يوم بدون أن تسمعهم يتذمرون من روتين العمل الممل، ومن بيروقراطية الإدارة وأثرها في تحطيم مجاديف قواربهم الصغيرة

في محاولتهم الحثيثة لإتمام نجاحاتهم الصغيرة.. يشتكي أغلبهم من أجواء حياتهم اليومية في العمل بمرارة ويتألمون من شيء ما (يعَكر) صفو أدائهم العملي، ويؤثر على جودة إنتاجهم.

يصف عادة المصاب أعراضه الوظيفية بانخفاض الحماس والرغبة في التطور والإبداع، وبتثاقل خطواته في رحلة الرواح الباكر إلى المؤسسة، وتسارعها في زمن العودة إلى البيت، وانهزام طموحاته أمام ثقافة المحسوبية، وعلاقات العصبية والمحاباة، ويعزو ذلك الشعور السلبي إلى إقفال سبل الصعود أمامه لسبب أنه لا يستوفي شروط الكفاءة (الخفية) في امتحان العناصر المنحازة ضد عوامل الاجتهاد والمثابرة.. الإدارة هي الشريان الذي قد يهيئ سبل النجاح للعاملين في محيط عمله، أو الأداة الهدامة لكل قصة نجاح داخل المؤسسة.. ولا يمكن بأي حال لأي مؤسسة مهما صغرت أو عظمت في مسؤولياتها الاجتماعية أن تنجح بدون قيادة إدارية ناجحة وقادرة على تجديد أساليبها أمام تحديات العمل.. وأمام ثقافة المحسوبية والشللية.. مصطلح المؤسسة في هذا المقال هو رمز للوزارة أو الشركة أو الجامعة أو غيرها من مختلف مؤسسات المجتمع، والمؤسسة تشيخ كلما تقدم الزمن بمسؤوليها، ويؤدي ذلك إلى زيادة عدد مستويات الإشراف الإدارية العليا فيها، مما يؤدي إلى ظهور منظومة الهرم المقلوب في إدارة العمل، لتصبح الأكثرية غير المنتجة تدير الأقلية العاملة، ويساهم هذا الوضع في نشوء طبقة (خاصة) تحرص على الحفاظ على مكتسباتها، والدفاع عن منافعها ضد مصالح الطبقة العاملة الذين فقدوا روح العمل والإبداع والطموح.. يزيد من حالة عدم الثقة استمرار الوضع الإداري بطبقاته الخاصة والعامة على نفس الحال، وتحول مهام الإدارة إلى تحصين حدود العلاقة بين الطبقات الدنيا والعليا بالبيروقراطية المركبة، وشغل أجواء العمل والإنتاح بالقرارت الثانوية وبكثرة اللجان.

مفهوم الطبقة الخاصة في الوزارة أو المؤسسة الحديثة أو الشركة، هي تلك المجموعة التي تربطها شبكة من العلاقات غير الواضحة، والتي يتم اختيار أعضائها حسب مقاييس محددة، قد لا تكون في بعض الأحيان مخططاً لها من خلال تنظيم محدد، لكنها ربما روح الحفاظ على المكتسبات الخاصة، أو بسبب عدم قدرة الإداري على رؤية الصورة السلبية للواقع، أو لضعفه واعتماده على عنصر الثقة في تأسيس خاصته الإدارية.. يؤدي الجمود الإداري وعدم التغيير إلى كوارث في أي مؤسسة، فما بالك بوزارة من واجباتها تقديم الحلول لهموم المواطنين، ولم تحقق أهدافها المعلنة على أرض الواقع منذ عقود، وما بالك بجامعة دخلت كوادرها التعليمية مرحلة التحنيط، ولم يحرك ذلك ساكناً لإحداث التغيير من أجل إعادة الحياة في المؤسسة.. ينطبق ذلك على أي مؤسسة كانت.. سواء مصنع أو مستشفى أو شركة أو بنك.. فالإصرار أحياناً على عدم تجديد الوجوه يؤدي إلى طرد كل الأفكار الجديدة، وأن تتحول الإدارة إلى كهانة أو كهنوتية لها أساليبها المتوارثة، وإلى طقوس يتم تقديم من خلالها القرابين من أجل رضى طبقة الكهنة التي تدور حول مقاعدها باستمرار.. والإدارة التي أشبه بالكهانة هي التي لا تكترث بإنتاج الموظف، ولكن تحرص فقط على تقديمه ولاءات الرضا والانقياد التام لأساليبها وطقوسها المعتادة.. يُحدث طغيان هذا النموذج الكهنوتي في مؤسسات المجتمع إلى قبوله كواقع ثم الاستسلام له، وإلى الوصول إلى حالة السلبية التامة، والتي من أهم سماتها قناعة الموظف أن عليه تقديم الحدود الدنيا في حياته العملية، وأن أي محاولة للنجاح ستكون عواقبها سلبية فقد تُفهم على أنها منافسة للطبقات العليا في المؤسسة، ويزيد من الوضع بؤساً عدم وجود نماذج كثيرة للمؤسسة الحديثة في المجتمع.. كذلك غياب وسائل الإعلام والمؤسسات الأكاديمية من أداء أدوارها في التحقيق والنقد والتنقيب عن أسباب استمرار إدارات الفشل في المجتمع، ولعل السبب أنهما أي وسائل الإعلام ومعظم المؤسسات الأكاديمية تعاني من نفس الآفة، مما يقلل من فرص اختراق الأفكار الجديدة في النقد والدعوة للتحديث، كما يقتل تداخل العلاقات ومصالحها مع قوى الإعلام والمؤسسات الأكاديمية الأمل في عودة الحياة من جديد في جسد المؤسسة، ويقود إلى حالة مثل الشلل الرباعي لأطرافها، لتدخل بعدها في الغيبوبة التامة، ثم تبدأ الاستعانة بوسائل التنفس الصناعي لتمديد حياتها لفترة زمنية قصيرة، ومع تأكد خطورة حالتها وقرب نهايتها، إلا أن التبريرات لا تتوقف عن الزعم أن قلب المؤسسة أو الوزارة أو الشركة لازال في أوج شبابها، بالرغم من أن المؤسسة في مرحلة موت الدماغ التام، ولم يعد هناك أمل لإنعاشها من جديد في ظل حالتها الإدارية الحالية.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد