Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/05/2008 G Issue 13002
الأحد 28 ربيع الثاني 1429   العدد  13002
شيء من
الإعجاز العلمي في القرآن
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

كنت كثيراً ما أسمع عن الاكتشافات التي يعلنها العاملون في مجال الإعجاز العلمي في القرآن، فأتساءل: هل القرآن الذي نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل ليتنبأ بالمكتشفات العلمية، أم هو أعظم وأكبر وأشمل من كل ذلك؟ سؤال لا يمكن تجاوزه وأنا أرى هذه البحوث التي لا تكاد تنتهي تتحدث عن تسابق بعض المختصين في توظيف الاكتشافات العصرية لتفسير النصوص الدينية.

ومثل هذه البحوث في أغلبها بحوث (دعائية) يبحث صاحبها عن الوهج الإعلامي أكثر من الوصول إلى الحقيقة العلمية. خطورة هذه البحوث أنها تتحدث عن نظريات، والنظريات قابلة للأخذ والرد، والقبول والرفض، والتطور والتغيّر، بينما النص القرآني نص ثابت لا يتغير: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)؛ وعندما تربط اكتشافات الإنسان (الخطّاء) في الغالب، بالوحي المنزه عن الخطأ، نكون -دونما حاجة- قد عَرَضنا كلام الله - جلًَّ وعلا- لجدليات تمس أول ما تمس العقيدة والإيمان.

فالقرآن شفاء لما في الصدور؛ أي وسيلة هداية إلى الطريق القويم الذي يقوم ويتأسس على (توحيده) جل شأنه والإقرار بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وصرف كل العبادات له دون أحدٍ من خلقه. وغني عن القول إن إنكار صحة شيء من القرآن هو إنكار للقرآن كله؛ وعندما نضع الآيات القرآنية في مواضع الجدل، كما يحصل غالباً في نقاشات موضوعات الإعجاز العلمي في القرآن، نكون بذلك قد عرَضنا القرآن وقدسيته إلى مواضع هو أسمى وأقدس من أن يُعرض لها.

وقد دارت بين الطبيب مصطفى محمود والمفكرة الإسلامية بنت الشاطئ معارك شرسة حول موضوع الإعجاز العلمي في القرآن؛ تقول بنت الشاطئ في إحدى مداخلاتها: (الدعوة إلى فهم القرآن بتفسير عصري -علمي- على غير ما بينه نبي الإسلام، تسوق إلى الإقناع بالفكرة السامة التي تنأى بأبناء العصر عن معجزة نبي أمي بعث في قوم أميين، في عصر كان يركب الناقة والجمل لا المرسيدس والرولز رويس والبوينج وأبوللو، ويستضيء بالحطب لا بالكهرباء والنيون، ويستقي من نبع زمزم ومياه الآبار والأمطار لا من مصفاة الترشيح ومياه (فيشي) ومرطبات الكولا!!، ونتورط من هذا إلى المزلق الخطر، يتسلل إلى عقول أبناء هذا الزمان وضمائرهم، فيرسخ فيها أن القرآن إذا لم يُقدم لهم علوم الطب والتشريح والرياضيات والفلك والفارماكوبيا وأسرار البيولوجيا والإلكترون والذرة فليس صالحاً لزماننا ولا جديراً بأن تسيغه عقليتنا العلمية ويقبله منطقنا العصري).

بقي أن أقول إن ما نقرأه بين الحين والآخر عن المكتشفات العلمية وربطها بالنصوص الإسلامية هو تعبير جلي ل(عقدة النقص) التي يُعاني منها الإنسان المسلم تجاه الاكتشافات العصرية كما يقول الدكتور خالد منتصر؛ فيعود إلى النصوص الدينية ليقحمها في أمور لا علاقة لها بها. ولعل ما يمارسه الدكتور زغلول النجار من خزعبلات تحت مسمى الإعجاز العلمي في القرآن، هو استغلال رخيص لهذه العقدة؛ فقد حَوّل البحث العلمي بانتهازية واضحة إلى بقرة حلوب تدر له ذهباً؛ مثل انتهازي آخر حول الفتوى إلى عملية (بزنس) من خلال رسائل الجوال. ولا أدري إلى أين سيصل بنا هؤلاء الانتهازيون.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد